لا زلت مقتنعا كما أسلفت في مقال سابق على صفحات هذه الجريدة الغراء أن الممتحن يبقى العمود الفقري لرخصة السياقة حاضرا ومستقبلا وأرى كل إصلاح جدي يتجاوزه أو يتجاهله إنما هو عمل مبتور يهمش الرخصة ولا ينفعها. لذلك حين نفرد الممتحن بالدور الأول في تحقيق الرقي بها تفوقا وامتيازا فلنبين ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه والمنوطة بعهدته ونبرز خطر دوره في هذا المجال ولذلك يحسن بالمشرفين عليها أن يولوه (الممتحن) الأهمية القصوى في كل ما يرومونه من تحسين مستواها وتحقيق جودتها لأنه في نظري جيم الجودة فيها وقاعدتها التي تنطلق منها لتحلق في فضاء الكمال الممكن والإتقان المطلوب ولئن كانت الرخصة متمما من متممات حياة الناس فإن الممتحن في هذا المجال بكفاءته وانضباطه وحرصه على التميز قادر على تحقيق السلامة فيها ومنها على الطريق وهو عندنا غاية المنى ومطمح الجميع . ان الممتحن هو أول حلقات البناء الصحيح عند إسناد الرخصة فإن أهملناه أو همشناه ولم نحط بعمله مراقبة وتوجيها تداعى ما نسعى الى بنائه نحو السقوط والانهيار وظللنا نتباكى على المجهود الضائع والطاقات المهدورة في بلد ليس له من الموارد الا المواطن التونسي ويكفيه ذلك فخرا وحتى لا تصبح الرخصة رخصة للاستهتار والإضرار بسلامة المواطن على الطريق. ودليلنا في ذلك: - كثرة الحوادث القاتلة - فوضى حركة المرور على طرقاتنا نتيجة الجهل والتهور - إهمال قانون الطرقات في مرحلة البناء وجعله ثانويا في هذا المستوى وحتى لا تصبح الرخصة خطرا وغولا على الطريق يحسن لسلطة الإشراف عدم الاكتفاء بتعيينه وتكليفه ( الممتحن ) بل بمراقبة أعماله تشريعا وواقعا. ان العناصر المعرقلة لجودة الرخصة عديدة ومتنوعة منها ما هو مخفي يتطلب جهدا وتشريعا إضافيا ومنها البادي للعيان والذي تسهل معالجته والسيطرة عليه وفي مقامنا هذا وتنقية لعمل الممتحن من شوائب عديدة لعل أكثرها إلحاحا في الظرف الراهن: نذكر الهاتف الجوال الذي أدخل جودة الرخصة الى قاعة الانعاش طلبا للنجدة. ان أول إجراء أرى المشرفين مدعوين لاتخاذه حتى نضع القدم في طريق الجودة. ان القضاء على بعض رداءة الرخصة يتمثل في إزاحة الجوال من طريقها، هذه الآفة التي تنخر واقع الرخصة وتحول دون كل محاولة لتحسين مستواها ولو كانت باحتشام تفاديا للقيل والقال. ان هذا الاختراع الجديد الذي أفاد البشرية وكان لها نعمة في حياتها ولكن ككل اختراع لا يخلو من سلبيات فقد وقع تحويل وجهته في امتحان الحصول على رخصة السياقة الى نافذة تهب منها رياح الرداءة فتغتال به الجودة والنزاهة ويقبر الإنصاف وغيره ان الجوال كما يستعمل الآن يمثل كارثة على الرخصة لأنه أصبح بوابتها في كثير من الأحيان وهمزة الوصل المتاحة إليها دائما بين المترشح والرخصة خصوصا في حضور زمالة أو قرابة أو جوار أو أي علاقة أخرى سلكت طريق المصلحة والمنفعة وإني أتساءل وأنا من قضيت عمري في هذا القطاع لماذا لم يحظر المشرفون عليها استعماله خلال فترة الامتحان مثلا بين الثامنة صباحا والثانية بعد الزوال فتمنعه على من يباشر الامتحان وهي محقة في ذلك قادرة عليه ولتعتبر وكالتنا من وزارة التربية التي تمنع استعماله بتاتا أثناء الامتحان والا فإن عملية تقييم قدرة المترشح على السياقة ليس امتحانا بالفهوم العلمي للكلمة ولتسمه ما شاءت. ان الأمر عدد 2281 المؤرخ في 02 أكتوبر 2001 والمتعلق بالقواعد العامة للجولان يحرم استعمال الهاتف الجوال أثناء السياقة ما عدى حالات ثلاث وهي: - سائق العربات التابعة لقوات الأمن الداخلي - سائق العربات التابعة للجيش الوطني - إذا كان التخاطب بالهاتف الجوال (الخلوي) ممكنا دون استعمال اليدين أو إحداهما ولم تستثن في هذا المقام ثلاثة آخرين وهم الممتحن عند قيامه بالامتحان - المدرب المصاحب لمترشحه للامتحان - والمترشح عند خضوعه له