إن «مقترح القانون الأساسي المنظم لعمل المجلس التأسيسي» الذي ناقشته لجنة التشريع العام يوم الخميس الماضي يبدو وكأنه غطاء لا غير لتمرير الفصل الثامن المتعلق بمنح النواب وتعويضاتهم. وهو في الواقع المحاولة الثالثة للترفيع في أجور النواب بنسبة تقارب ال50%. إن «مقترح القانون الأساسي المنظم لعمل المجلس التأسيسي» الذي ناقشته لجنة التشريع العام يوم الخميس الماضي يبدو وكأنه غطاء لا غير لتمرير الفصل الثامن المتعلق بمنح النواب وتعويضاتهم. وهو في الواقع المحاولة الثالثة للترفيع في أجور النواب بنسبة تقارب ال50%. فبعد أن أوقفت المحكمة الإدارية في أكتوبر الماضي تنفيذ القرارات التي حدد بمقتضاها رئيس المجلس أجور النواب ونائبي الرئيس ومنحهم وامتيازاتهم، التف النواب على قرارات المحكمة بواسطة الفصل 78 من قانون المالية لسنة 2013 الذين صادقوا عليه «بليل والناس نيام» في جانفي الماضي والذي لا يمكن الطعن فيه بأي وجه من الوجوه نظرا لافتقارنا إلى محكمة دستورية، وها إن المجلس يعود مجددا وبعجالة (1) لطرح الموضوع خلال الأسبوع المنقضي. إن صورة المجلس التأسيسي لدى الرأي العام اهترأت بل يمكن القول دون أدنى مبالغة أو تجن أنها ما فتئت تسوء و»تتلطخ» من يوم لآخر وأن اعتباره تردى إلى أبعد مدى. وإن ما يبدو اليوم وكأنه «تكالب» على المنافع والامتيازات لن يزيد الصورة إلا قتامة. فنسبة التغيب المرتفعة بل المهولة في بعض الجلسات مما دعا أحيانا إلى تأخيرها أو حتى إلغائها بالمرة (2) اضافة إلى إضاعة الوقت في الجدالات العميقة (3) وقد تخلّل بعضها السب والشتم والقذف يعطي الانطباع في عدم جدية نسبة لا يستهان بها من النواب ورغبتهم في الانتفاع أطول مدة ممكنة بالأجور والامتيازات. وإن اتهام نواب لبعضهم البعض أحيانا بالفساد والإثراء الفاحش عبر بيع الذمة في ما يعرف بظاهرة «النواب الرحالة» واضطرار المجلس إلى مناقشة قانون للتصدي لهذا «الانحراف» (4) كرس أكثر هذه النظرة السلبية دون أن ننسى عديد الوقائع الأخرى، كإضرابات جوع شنها بعض النواب للضغط على القضاء، أو كتدخل بعضهم الآخر لتشغيل أقاربهم أو نيل امتيازات. إن طرح قانون الترفيع في منح النواب مخطئ في توقيته في مثل هذا الظرف الاقتصادي الصعب، بل في مثل هذه المرحلة التأسيسية التي يفترض فيها التطوع والتضحية وهو مخطئ وهذا هو الأهم في مبدئه أصلا. فالمقارنة مع أجور النواب في الديمقراطيات العريقة اعتمادا على الأجر الأدنى المضمون فيها (5) تبين بصفة لا لبس فيها أن الأجر الحالي للنائب التونسي أي قبل الترفيع المقترح أكثر من عادي بل مرتفع إذ هو يتجاوز بكثير مرتب الأستاذ الجامعي ويبلغ حوالي 10 مرات الأجر الأدنى الصناعي المضمون. إن نوابنا مدعوون إلى هبّة وعي لترميم صورتهم واسترجاع جزء من الاعتبار الذي فقدوه وذلك بالتراجع عن اقتراح الزيادة هذا، وإن لم يفعلوا فإنهم سيؤكدون آنذاك حتما أمام الشعب صدق اتهام احد زملائهم لهم بالجشع والطمع وسيصبون مزيدا من الماء في طاحونة أعداء الثورة الظاهرين والخفيين الساعين حاليا لدفع شعبنا الى الندم على «انتفاضته» والتحسر على العهد البائد. جمال الدين بوريقة
1/ جاء المشروع «مستعجلا» مما جعل نواب لجنة التشريع يرجئون مناقشة مشروع قانون العدالة الانتقالية. 2/ نسبة الحضور لا يتعدى غالبا النصف والمعدل هو في حدود 80 نائبا وجلسة يوم 13 نوفمبر 2012 حضرها 27 نائبا ووصل الأمر إلى اقتراح بطاقات حضور الكترونية !! 3/ في جلسة 30 أكتوبر 2012 و18 جانفي 2013 عاد الجدل مجددا حول تضمين الشريعة في الدستور. 4/ إلى حدود سبتمبر 2012 غيّر 25 نائبا وأغلبهم من العريضة الشعبية احزابهم. 5/ في فرنسا مثلا يبلغ مرتب النائب 6 مرات ال"السميغ".