بقلم: مصطفى قوبعة تتحرك المؤسسة الأمنية لتسقط المزيد من الخلايا الارهابية وآلة الارهاب تعمل بسرعتها القصوى لتدفع إلى المواجهة بخلايا جديدة وبتكتيكات جديدة. حلقة مفرغة من الفعل وردّ الفعل يذهب ضحيتها كما العادة إمّا أمنيون أو جنود لينضاف إليهم بعد عملية « بلاريجا» سقوط أول شهيد مدني قتل بدم بارد في دلالة بارزة على الحقد الأعمى الذي يحمله الارهابيون وعلى الثقافة الجديدة التي يروّجون لها الغريبة عن تقاليدنا وعن ثقافتنا وعن قيمنا المجتمعية. تضع السلطة المؤسستين الأمنية والعسكرية في واجهة صراع دام مع الارهاب ولم تكلّف نفسها عناء فهم أسباب تفجّر الظاهرة بشكل غير مسبوق في بلادنا وفهم خلفياتها المحلية والاقليمية. هل يمكن لنا النجاح ولو نسبيا في التعاطي مع ظاهرة الارهاب بالاقتصار على المعالجة الأمنية الصرفة والحال أن أبجديات نظرية الأمن الشامل تضع المعالجة الأمنية كآخر حلقة من سلسلة شاملة ومتكاملة من حلقات مكافحة الارهاب بدءا بحلقة الأمن التربوي والثقافي، وحلقة الأمن الاقتصادي، وحلقة الأمن الاجتماعي وحلقة الأمن الديبلوماسي وحلقة الأمن الاعلامي وحلقة الأمن الاستخباراتي؟ وهل يحق لنا اليوم أن نتساءل عن سرّ انتشار هذا الفكر التكفيري الارهابي المصدّر إلينا من مجتمعات عربية اسلامية في حين أن هذه المجتمعات بقيت محصّنة ضد مخاطر منتوجها الفكري، وهل يحق لنا اليوم أن نتساءل عن سرّ الدور الذي يلعبه الغرب مباشرة أو بواسطة أدواته في إذكاء نار الارهاب متى يشاء وفي اطفائه متى يشاء؟ نمعن ونتوسع في الحديث عن الظاهر، عن حدودنا المستباحة، عن حالات تهريب السلاح وتداوله، عن اكتشاف خلايا وعن تتبع وتعقّب أخرى، عن أحداث ما في الشعانبي وفي جهات متفرقة من البلاد وننسى الحديث عن المهمّ والأهمّ، عن الأسباب وعن الخلفيات وعن حقيقة الآلة التي تأمر وترعى وتحمي وتسند وتموّل... يحمّل الرأي العام حكومتي « الترويكا» الأولى والثانية نصيبها من المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع، يكفي أنها صمّت الآذان عن كل التحذيرات والتنبيهات التي صدرت عن جهات إعلامية وأمنية مختلفة فيما تبدو حكومة السيد مهدي جمعة مكسورة الجناحين، لم تحمل الجديد بعد مما تستوجبه المعالجة الجدية للظاهرة من رؤية شاملة ومتكاملة واضحة الآليات والأهداف. تتغير الحكومات والأوضاع تراوح مكانها، بل قد تزداد تعقيدا في ظلّ مستجدات جديدة في مقدمتها العودة المرتقبة لمئات المقاتلين التونسيين في سوريا الذين اصبحوا غير مرغوب فيهم بقرار سوري غربي بعد الفشل الذريع للمؤامرة العربية الغربية على سوريا. يبدو أننا مقبلون على أيام أكثر صعوبة ، فأخطر ما تصبو إليه آلة الارهاب المحلية والاقليمية هو بلوغ مرحلة الحلقة المفرغة من الفعل وردّ الفعل، وفي المقابل لا حياة لمن تنادي على مستوى الرئاسات الثلاث.