بأية حال عدت يا عيد؟ هذا ما تردّده عائلات شهداء وجرحى الثورة في ذكرى 9 أفريل الذي تحتفل به بلادنا اليوم تكريما لمن ضحّوا بأرواحهم في سبيل الوطن ورغم أنّك تسجّل إرتياحا وفخرا لدى ذوي شهداء وجرحى 1938 باعتبارهم ساهموا في معركة الكفاح الوطني وتحرير البلاد فإنك لا تلمح ذلك لدى عائلات شهداء جانفي 2011 التي قدّم أبناؤها أرواحهم قرابين للوطن وساهموا في هروب الطاغية وسقوط الدكتاتورية والإستبداد والسبب يعود إلى عدم توصلها إلى معرفة قتلة فلذات أكبادها ومحاسبتهم في إطار محاكمة عادلة. «التونسيّة» منحت الكلمة لعدد من عائلات شهداء وجرحى الثورة لمعرفة ما تعنيه هذه المناسبة. قالت سامية محيمدي أخت الشهيد هشام المحيمدي إنها وبعد أكثر من ثلاث سنوات من التردّد على المحاكم العسكرية تحس بمرارة كبيرة وبالقهر والظلم معتبرة أنّ المحكمة لم تنصف عائلتها ووجهت لقاتل شقيقها تهمة القتل على وجه الخطأ لتتم ترقيته بعد الثورة على حد تعبيرها. وأوضحت المحيمدي أنّها سعت على امتداد ثلاث سنوات بكل الطرق للوصول إلى الحقيقة سواء في ملف شقيقها أو في بقية الملفات لكن «إدارة القضاء العسكري كانت أقوى لطمس الحقيقة خاصة منها القضايا التي جدّت بعد 14 جانفي على حدّ قولها مؤكدة ان مآلها كان الحفظ أوتهمة القتل على وجه الخطأ مطالبة بضرورة معرفة القتلة (شكون قتل أولادنا) ومحاسبتهم. ذكرى سوداء أمّا حلمي الشنيتي أخ الشهيد غسان الشنيتي من معتمدية تالة فقد قال إنّ ذكرى 9 أفريل باتت لا تعني لعائلات شهداء 14 جانفي شيئا لأنّها بالنسبة إليها متجدّدة يوميا لإحساسها بالغدر الذي تعرّض له الشهداء في إطار ثورة تمنّى لوأنها لم تحصل واصفا إياها بالذكرى السوداء مبينا أنه لو ماتوا في إطار طبيعي ما التاعت العائلات كلّ تلك اللوعة وماهامت في الشوارع وفي المحاكم متحمّلة كل أنواع الاستفزاز للظفر ولو بجزء من الحقيقة موضّحا أن غلق بعض الملفات دون معرفة الحقيقة ودون إيجاد متهمين في القضية هو «الكارثة بعينها» على حدّ تعبيره. وأضاف الشنيتي انّ والدته مازالت إلى اليوم منذ استشهاد فلذة كبدها ملتحفة السواد وتناجي الجميع وانها اخذت عهدا على نفسها أنه لن يهدأ لها بال إلا عند معرفة قاتل ابنها مستنكرا عدم متابعة اعترافات بعض الوزراء الذين صرّحوا أنّ بعض الأطراف ترفض فتح الملفات للمحاسبة ليطالب بضرورة معرفة الحقيقة ومحاسبة كلّ من تلطخت يداه بدماء الشهداء متابعا: «لا خير في وطن مجرموه أحرار». لا شيء غير المحاكمة العادلة بلوعة حارقة تسترجع السيدة فاطمة الورغي الذكريات... ذكريات فلذة كبدها الذي أصابته رصاصة غادرة يوم هروب المخلوع. فابنها أحمد لم ينصفه القضاء العسكري على حدّ تعبيرها خاصة انّ المتهم عسكري وجّهت له تهمة القتل على وجه الخطأ مشيرة إلي المماطلة وطمس الحقائق مضيفة انه لا همّ للسياسيين سوى المتاجرة بدماء الشهداء للوصول إلى المناصب والنجاح في حملاتهم الإنتخابية مؤكّدة انّ الرئيس المرزوقي وعدها شخصيا انه في صورة فوزه في الإنتخابات فإنه «سيأخذ حق أحمد وحق الشهداء». وتطرقت فاطمة الورغي إلى الجلسات في رحاب المحاكم العسكرية وإلى الطلبات التعجيزية و«التلاعب المنتهج لغلق القضايا» حسب قولها مؤكدة انّ قرابة 80 بالمائة من الملفات حفظت لتشير إلى أنّه لا مطلب لعائلات الشهداء في هذه الذكرى سوى معرفة الحقيقة «الحقيقة حقّ لنا» والمحاكمة العادلة لتتم المصالحة والا فانه سيتمّ اللجوء إلى المحاكم الدولية. الآلام متواصلة من جانبه قال عبد الرزاق العرفاوي والد الشهيد حسن العرفاوي إنّ عائلات الشهداء والجرحى تتعرض لمظالم وتُكال لها يوميا تهم من قبيل انهم فرطت في دماء ابنائها من أجل المال مبيّنا انّ ما تصرّح به الدولة والسلط بشأن التعويضات يعرّض الشهداء لإهانة كبرى وأنّ المحاكمات لم تساهم سوى في تهميش قضاياهم . وأضاف العرفاوي أنّه لا يمكنه نسيان ابنه بتاتا خاصّة انّ له شقيقا توأم «نشوف فيه يوميّا في خوه والآلام متواصلة في الدار وإلا في الشارع» مؤكدا انّ والدته هي أكثر المتضرّرين من ذلك مشيرا إلى أنه كان سنده ويعمل على إعالة أخوية طالبا من القضاء معرفة قاتل ابنه ومحاسبته. لا شيء يعوضني ابتسامة ولدي من جهتها قالت السيدة انّ ابنها قتل في ريعان شبابه وأنه لا شيء يمكنه أن يعوّضها ابتسامته ومرحه في المنزل «وردة وقطفتها من جنينة»مشيرة إلى انّ التعويضات التي يتبجّح بها الساسة وأغرقوا بها مسامع العالم لم تمكنها حتى من قوتها اليومي مؤكدة انها تسكن في مقر «شعبة» وأنهم يرغبون في إخراجها منها عنوة . وأضافت السيدة أن جلسات محاكمات قتلة الشهداء والجرحى تحولت الى «مهزلة» طالبة من الجميع الوقوف صفا واحدا لمعرفة الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة مؤكدة ان شهداء الكرم لم يتذكرهم اي كان في محنتهم وأنها طالبت عديد المرات بمقابلة رئيس الجمهورية إلا أنّ القائمين بأعماله يرفضون ذلك على حدّ تعبيرها. واشارت السيدة إلى أنّ قاتل ابنها قابلها واعترف لها بارتكابه جريمته وطلب منها الصفح وأنه مازال حرّا طليقا. ذكرى لا تحمل الجديد من جهتها اكّدت سهام انّ هذه الذكرى كسابقاتها خلال السنوات الثلاث الماضية حيث لا تحمل في طياتها سوى مشاعر الألم والحرقة والقهر خاصة أن الحقيقة ومعرفة القتلة لم تظهر بعد رغم مرور أربع سنوات مضيفة انه لا شيء يعوّضها فراق زوجها ووقوفه معها لتربية ابنائهما موضّحة انه تركها حاملا وها هو ابنها اليوم يشاركها المسيرات ويحمل اللافتات لمعرفة قاتل والده مشيرة إلى أنه لا عيد لكلّ العائلات ما لم تظهر الحقيقة. من جهته قال علي المكي رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن شهداء وجرحى الثورة ل«التونسيّة» إنّ ذكرى عيد الشهداء ليست سوى مناسبة من ضمن المناسبات العديدة التي مرت خلال سنوات ما بعد الثورة وأنه لا تسمع فيها من عائلات الشهداء سوى كلمة واحدة هي«علينا أن نحتج ...نريد محاسبة من قتل فلذات أكبادنا» مؤكّدا أنّ هذا هو الشعور السائد عند عائلات الشهداء التي فقدت ،على حدّ تعبيره، الثقة وباتت متخوفة من افلات المجرمين من العقاب مشيرا إلى أنّ شعورها بالظلم والقهر جعلها لا تهدأ حتى ينال قتلة ابنائها جزاءهم. لم نطلب المستحيل وأضاف المكي أنّ عائلات الشهداء لم تطلب المستحيل وان لديها مطلبين اثنين لا ثالث لهما وهما محاسبة كل المتورطين في سفك دماء ابنائها وكشف الحقيقة كاملة وإصدار القائمة الرسمية تخليدا لهم في الذاكرة الوطنية معتبرا أنّ ما زاد عنهما هي مطالب ثانوية موضّحا أنه بعد الأحكام الإبتدائية في قضايا شهداء وجرحى الثورة بالمحاكم العسكرية بالكاف وصفاقس وتونس رفعت العائلات شعار « نحن لا نثق في القضاء العسكري» مرجعا سبب ذلك إلى معاينتهم في الطور الإبتدائي ضياع الحقيقة وتملص المتهمين من المحاسبة باعتبار أنّ عدم كشف الحقيقة كان لفائدتهم الشيء الذي جعل عددا كبيرا منهم يحاكم بعدم سماع الدعوة . وأكد المكي أنه سجّل إرتياحا نسبيا في الطور الإستئنافي لما تحقق من ظهور لأدلة جديدة وحقائق مهمة كان من المفروض أن تسعى المحاكم العسكرية لكشفها منذ أطوار التحقيق حتى لا يفلت من فلت من العقاب وحتى ينال المذنبون جزاءهم كاملا حسب الجرائم التي اقترفوها لان الأحكام الابتدائية ،على حدّ قوله ، لم تكن في مستوى الجرائم التي أدين أصحابها معتبرا أنّ القضاء العسكري اليوم أمام فرصة تاريخية لن تتجدد له ثانية فإما أن يكون قضاء حرا لا سلطان عليه وهوما يتمناه وإما فإن التاريخ لن يرحم أحدا يخون دماء الشهداء مستشهدا في الأخير بقول الشاعر محمود درويش في قصيدته عن تونس التي قال فيها « وتركنا فيك خير ما فينا شهداءنا الذين نوصيكم بهم خيرا».