بقلم: جيهان لغماري بعيدا عن تقييم حظوظ أي طرف سياسي حزبا كان أو جبهة في الانتخابات القادمة، حريّ بنا التذكير بأنّ الآليات والمسار المؤدييْن إلى الصندوق أهمّ من نتائجه. في المستوى القانوني، هناك اجتهاد واضح لمحاولة الإلمام بكل جوانب العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها. هذا الاجتهاد يبقى غير كاف ما لم تعاضده منظمات المجتمع المدني وأساسا الأحزاب. بالنسبة للمنظمات التي «تشتغل» على مسار الانتخابات، عليها إضافة إلى الجانبين التقني والقانوني تبسيط لغتها وتقريبها من المواطن الذي لا طاقة له بهضم مصطلحات بعيدة عن ذهنه، كما عليها الاختصار والتكثيف في مطوياتها التي تفسّر كل مسار العملية الانتخابية. إضافة إلى هذا الدور، عليها أن تحسّس المواطن بأهمية صوته وإيجاد خطاب مباشر لتشجيعه على القيام بدوره كمحدد لمستقبل البلاد، إذ لا يمكن الاقتصار على الحملة التي تقوم بها الآن الهيئة المستقلة للانتخابات. فمن المعلوم أنّ الأزمات الخطيرة التي تسببت فيها الطبقة السياسية، نفّرت الناس من الاهتمام بالشأن العام والخشية كل الخشية أن تكون نسبة غياب الناخبين قياسية. حينها ومهما كانت النتائج لن تكون لهذا الطرف أو ذاك، إلّا شرعية صندوقية لا تدلّ آليا على شرعية شعبية، ممّا قد يُربك مسيرة الحاكم الجديد أمام ما يمكن أن يحدث من انفلاتات اجتماعية واحتجاجية لا يمكن توقّع نتائجها كما لا يمكن الاكتفاء لمواجهتها ب«عصا» الشرعية وسلطة الدولة. الجزء الأكبر من مسؤولية تنقية الأجواء الانتخابية يقع على عاتق الأحزاب وهي المعنية أساسا بنتائج الصندوق، إذ لا يمكن القبول بحملات انتخابية بنفس آليات 23 أكتوبر 2011، إمّا حملات بوعود غير واقعية أو حملات قائمة على شيطنة الأطراف الأخرى دون تقديم بدائل ممكنة أو على الأقل تبيان طريقة تحقيق البعض منها. ولا يخفى على أحد أنّ نتائج «شحن» القواعد بلا حدود معقولة، تسببت في الانتخابات الفارطة، في تجاوزات وإن بدت صغيرة لكنها كانت مؤثرة على سير الانتخابات. اليوم، ما زالت الأحزاب تتحدث في المطلق عن ضرورة مراقبة المال «الفاسد» ومراجعة التعيينات وعن ضرورة استقلالية بعض أعضاء اللجان الفرعية الجهوية للانتخابات عن الأحزاب. هذا الكلام الذي يقال في المطلق يزيد في كهربة الأجواء، إذ من المفروض توخي الدقة في الخطاب وعلى كل من له دليل قاطع اللجوء إلى السلطات المختصة بعيدا عن لغة فضفاضة توزّع الاتهامات جزافا كما وجب الابتعاد عن استعمال بعض الجمعيات «المؤدلجة» أو الأشخاص لمنع الاجتماعات الانتخابية ثم القيام بإدانة هذه الأفعال للتنصّل من مسؤولية اليد الخفية التي تحرّك هؤلاء من وراء الستار. يجب أن يفهم الجميع أنّ استيفاء كل الشروط القانونية للمشاركة في الانتخابات، يكفل لكل القائمات المتنافسة ومهما كانت حظوظها، الحق في النشاط والذهاب إلى الناس في كل أنحاء البلاد لإيصال برامجها حتى تكون للمواطن صورة واضحة لكلّ «معروضات» الأحزاب. عندها فقط، يمكن الحديث عن اختيار حرّ وشفاف سيكون بلا شك دعما رئيسيا لشرعية الفائزين في مرحلة تتطلّب استقرارا شاملا لتطبيق إصلاحات هيكلية خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.