على إثر مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء من قبل الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب بتاريخ 24 مارس 2016، أكدت جمعية القضاة الشبان ثبوت التلاعب بالمسار الإجرائي للمصادقة على القانون، من خلال عدم عرض التعديلات المدخلة على مشروع القانون الأساسي لمناقشتها، مشيرة إلى أنّ ذلك أدّى إلى المصادقة البرقية على بعض فصوله، دون المداولة حولها، وهو ما اعتبرته الجمعية مخالفة صريحة لأحكام النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، ملاحظة «تعمد المشرع إسقاط مشروع الحكومة المتمخض عن توافق الهياكل القضائية، وتمرير مشروع قانون يختلف في مضمونه عن تصور الحكومة صاحبة المبادرة التشريعية، بهدف تلافي الخلل الإجرائي الذي أشارت إليه هيئة مراقبة دستورية القوانين وضمان تكريس رؤية لجنة التشريع العام التي وان بدت في ظاهرها محترمة لأحكام الدستور، فإنها تتنافى وروحه ولا تستجيب لطموح القضاة والشعب التونسي في إرساء سلطة قضائية قوية ومستقلة ضامنة للحقوق والحريات». واستنكرت جمعية القضاة ارتكاز تركيبة المجلس الأعلى للقضاء المنصوص عليها بالفصل 14 من مشروع القانون على تغليب قطاع المحاماة على حساب بقية مكونات العدالة، وهو ما اعتبرته لا يحترم قرار هيئة مراقبة دستورية القوانين المؤرخ في 8 جوان2015 الذي نص على انه «لا تخصيص حيث لم يخصص المشرع الدستوري»، منبهة إلى أن مثل هذه الممارسات تؤسس لتركيبة قطاعية «غير متجانسة يطغى عليها تضارب المصالح خصوصا مع عدم التنصيص على وجوب الإحالة على عدم المباشرة للمحامين المتمتعين بعضوية المجلس الأعلى للقضاء وهو ما من شأنه إن يخضع القرار القضائي للضغط والتوجيه»، منتقدة الحد من مبدأ عدم نقلة القاضي إلا برضاه، مع استثناء النقلة لمصلحة العمل وذلك من خلال ضبطها بثلاث صور ممّا جعله يتحول إلى مجرد استثناء خاصة مع التمديد فيه لثلاث سنوات كاملة. شوائب واعتبرت جمعية القضاة أن تنصيص الفصل 47 على إمكانية إعفاء القاضي إجراء خطيرا مرتبط في كلّ القوانين المقارنة بالقصور المهني وبضمانات مادية وتعويضات تضمن العيش الكريم للقاضي القاصر مهنيا لسبب صحّي، وأنّ الفصل المذكور مكّن المجلس الأعلى للقضاء من إمكانية الإعفاء، ولم يشترط إلاّ «القرار المعلّل» وأنّ ذلك كلمة عامّة وأنّ كلّ إعفاء يمكن أن يكون معلّلا ولا يشترط في التعليل أن يكون مقنعا، وأنّه يبقى رهن ما سوف يضعه القانون الأساسي من أسباب في المستقبل حسب النص المذكور. وانتقدت الجمعية مقتضيات الفصل 52 من مشروع القانون الذي جعل تركيبة مجلس التأديب متكونة من رئيس المجلس أو نائبه وعضو من المعيّنين بصفته و3 أعضاء من القضاة المنتخبين من نفس رتبة القاضي، في حين أنّ التركيبة المنصوص عليها بالنسبة للقضاء العدلي تشمل قاضيين عن كل رتبة، دون وجود 3 قضاة من نفس الرتبة. وتساءلت جمعية القضاة الشبان عم كيفية توفير 3 قضاة من نفس رتبة القاضي المحال على مجلس التأديب، معتبرة أن سرعة التصويت على مشروع القانون لم تترك للنواب مجالا للتثبّت. واعتبرت الجمعية أنّ من شأن تنصيص الفصل 61 على أنّ القرار التأديبي ينفّذ بقطع النظر عن الطعن إنزال القاضي دون منزلة المواطن العادي الذي تسري لصالحه قاعدة «الاستئناف يوقف التنفيذ»، إجحاف كبير في حقّ القاضي المحال على مجلس التأديب، وعدم احترام لسلطة الرقابة المخوّلة للمحكمة الإدارية، خاصة أنّ قرارات وأحكام المحكمة الإدارية لا تتمتع بالطابع الإلزامي، وأنّ ذلك قد يفضي إلى حصول القاضي المحال على حكم أو قرار إداري ينصفه، مع إمكانية عدم انصياع الإدارة وتنفيذه، خاصة أن القرار التأديبي قد نفذ في حقه. كما انتقدت الجمعية تقليص صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، مقارنة بما كانت عليه صلب مشروع الحكومة، ملاحظة أنّ ذلك جعل منه مجرد مجلس تأديب للقضاة. نحو تقزيم القضاء وتدجينه ؟ واعتبرت جمعية القضاة الشبان مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء، حصانة للسلطة التنفيذية، حتى يتجنّب منظوريها الوقوف أمام القضاء أثناء أدائهم مهامهم وبعدها، مما يضمن لهم التهرب من المحاسبة أمام سلطان القانون، منبهة إلى أن السلطة التشريعية مهّدت الطريق لتقزيم السلطة القضائية وتدخل السلطة التنفيذية في سير القضاء وأحكامه من خلال ما انتهجته من أسلوب الغلوّ في التوافق. وحملت جمعية القضاة الشبان حكومات ما بعد الثورة مسؤولية تاريخية عن الإخلالات التي شابت قانون المجلس الأعلى للقضاء، خاصة الحكومة الحالية التي قالت إنّها لم تحرّك ساكنا في الدفاع عن مشروعها، مما سهل عملية المصادقة على هذا القانون بسرعة وأبرز «المؤامرة المفضوحة المعالم» التي تستهدف السلطة القضائية وكافة الشعب التونسي، مستغربة موقف وزير العدل السلبي أثناء مناقشة فصول هذا القانون. من جهته حمل مراد المسعودي رئيس جمعية القضاة الشبان السلطة التشريعية مسؤولية إبقاء السلطة القضائية تحت إشراف هيئة وقتية من خلال تعنتها في تمرير قانون يتجافى ونص الدستور وروحه، وانتقد المسعودي تدخل بعض أعضائها الذي اتهم هيئة القضاء العدلي بالرغبة في مواصلة الإشراف على القضاء داعيا الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين إلى التمسك بموقفها في خصوص هذا المشروع الذي يعد بؤرة للاخلالات القانونية والدستورية. كما دعا القضاة إلى الإيمان بوحدة المصير ونبذ الفرقة والإحساس بخطورة الأوضاع التي تمر بها السلطة القضائية، حاثا الهياكل القضائية إلى التنسيق عند اتخاذ المواقف والتحركات ضمانا لنجاحها والالتفاف حول موقف الهيئة الوقتية للقضاء العدلي المعلن عنه ببيانها المؤرخ في 30مارس2016، كما دعا الهيئة الوقتية إلى التدخل العاجل لحشد الهياكل القضائية ضمن تنسيقية ذات موقف موحد ضمانا لوحدة الصف والموقف .