هي قضية ناضل أصحابها لإخراجها إلى الضوء من زخم القضايا والإشكاليات التي باتت تفرض نفسها على أبواب مختلف الهياكل الحكومية من المجلس التأسيسي ووزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ووزارة العدل, كما عملوا كل ما بوسعهم لتأكيد مدى المعاناة التي تكبدوها من أجل الحرية والانعتاق في ساحة النضال ضد الفساد والاستبداد بالمعهد الثانوي بالرقاب. أحد المتضررين وهو السيد علي بن منصور يبلغ من العمر 41 سنة تحدث ل«التونسية» عن معاناته منذ سنة 1988 وكان حينها تلميذا قاده الحماس للاحتجاج صحبة زملائه بالمعهد الثانوي بالرقاب على وفاة تلميذة حينها متسممة بمبيت المعهد حيث لم يتم نقلها للطبيب وفارقت الحياة تحت أنظار زميلاتها... يقول علي: «كان ذلك الاحتجاج بداية معاناتنا حيث تم إيقافنا وتسجيل أسمائنا في الدفاتر الأمنية كأشخاص مشبوهين في نظرهم رغم صغر سنّنا إذ لم يكن سنّ أكبرنا يتجاوز 15 سنة ليكتمل النصاب في 1991 بتنظيم مسيرة تضامنا مع العراق حيث تم إيقافنا من جديد وتعذيبنا وقضي في حقنا بالسجن مدة ثلاثة أشهر حيث سجنت حينها من تاريخ 11 فيفري 1991 إلى 05 أفريل من نفس السنة بتهمة هضم جانب موظف عمومي خلال مباشرته لوظيفته وهي تهمة كيدية لا أساس لها من الصحة سبقتها أشواط تعذيب (وهنا يكشف عن بقايا تعذيب حرقا بالسجائر على مستوى رجليه وكافة جسده). كتم حرية التعبير وفي سنة 1995 نظرت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بقفصة من جديد في نفس القضية وأحلنا جميعا وعددنا 22 تلميذا بتهم التجمهر غير المرخص فيه ورمي مواد صلبة بالطريق العمومية وتعمد الإضرار بملك الغير وهضم جانب موظف أثناء مباشرته لوظيفته بالتهديد والضرب, حيث كال لنا الأعوان في محاضرهم وابلا من الاتهامات التي كانت تختفي وراء موقف سياسي هدفه تكميم أفواهنا وكتم حرية التعبير التي دفعنا من أجلها أياما من التعذيب فظهرنا في شكل إرهابيين نشكل خطرا على أمن الدولة وقضي في حق بعضنا بالسجن عامين من أجل الاعتداء بالعنف الشديد على موظف وشهرين من أجل التجمهر بالطريق العام وإسعافنا بتأجيل التنفيذ. ويضيف علي: «لم يسدل الستار على معاناتنا إذ ظللنا محل مراقبة وتتبع ترهبنا أعين المراقبين أينما حللنا وأينما ذهبنا حيث انتقلت حينها للدراسة كطالب جامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس وشاركت في احتجاج نفذه طلبة الكلية ضد مناظرة «الكاباس» حيث تم إيقافي من جديد بناء على ما توفر عن تاريخي الحافل بالمسيرات وسيرتي التي شوهوها بتهم كان النظام السابق يحشرها حشرا للقضاء على أصوات الحرية وللهروب من أخطائه وسياسة الاستبداد والدكتاتورية التي كان ينتهجها . وقد قضيت حينها رهن الإيقاف مدة 12 يوما تعرضت فيها لشتى أنواع التعذيب وأطلق سراحي لأكمل دراستي واحصل على الإجازة سنة 2001 حيث ظللت حتى 2011 محروما من حق الشغل تتابعني ملفات النظام السابق وتشوه صورتي وكأنني مجرم فلم أحظ بفرصة شغل وأغلقت أمامي كل الأبواب". أولويتنا التعويض المادي والمعنوي وينهي حديثه قائلا: «تجاوز عمري الأربعين عاما فلا عمل ولا مستقبل ولا أية ظروف تساعدني على تدبير قوتي اليومي رغم محاولتي التشبث بالحياة من خلال العمل بحضائر البناء والتجارة وغيرها من الفرص التي كانت متاحة إلى أن اندلعت ثورة الكرامة لتي حققناها بعد سنوات من النضال في ربوعنا فحصلت بعد جهد جهيد على فرصة انتداب بوزارة التربية كمعلم... حق وصل متأخرا في الوقت الذي انهارت فيه معنوياتي بسبب التعذيب وسوء المعاملة..." ويضيف: «لا يهمني أنا وزملائي العمل بقدر محاسبة كل من تورط في تعذيبنا أطفالا لاحول لا ولاقوة لنا في المعهد الثانوي بالرقاب.. إننا نطالب بمحاسبة الذين قاموا بالتورط في جريمة كبت الحريات وطمس الحقائق مع تعويضنا ماديا ومعنويا كضحايا النظام السابق وكمناضلين اقتحمنا دائرة النضال مبكرا فكان الثمن باهظا. كما ساهمنا في الثورة المباركة التي أطاحت بدكتاتورية واستبداد نظام بن علي حيث قدمناها في طبق من ذهب للسياسيين الذين بخلوا علينا بمقابلة لسماع صوتنا وبكلمة شكر ترفع من معنوياتنا ...