لنبدأ بأحسن مثال ما حصل في «فرنسا» أحد أقطاب التربية الحديثة لما تحركت العائلات الفرنسية وأعلنت هجمة شرسة على المحفظة المدرسية بعد أن صارت عبئا ثقيلا على أكتاف أبنائها.. وقد وجدت وقتها مساندة ودعما من قبل أطباء الصحة المدرسية ومؤسسات المجتمع المدني إذ تبيّن طبيا أن العمود الفقري للطفل الفرنسي صار تحت رحمة وزن محفظته.. وجاء القرار السياسي سريعا مفعما بالحكمة والوجاهة.. وأصبح التلميذ في المؤسسات التربوية الفرنسية يحفظ أدواته في خزانة خاصة به داخل فضاء قسمه ليعود بمحفظة خفيفة لا تحتوي غير كراس المراجعة لإنجاز التمارين والفروض المنزلية باعتماد الحاسوب وما تبقى من الوقت يخصص لارتياد النوادي الثقافية والعلمية والرياضية. هذا مربط الفرس لإحدى قضايا منظومتنا التربوية وهي على أبواب التقييم والإصلاح والتقويم بعد أن ثقلت محفظة التلميذ لدينا وصارت الأم معنية أساسا بحمل «الأثقال» في الذهاب والرواح من المدرسة لأن الطفل وخاصة الصغير صار غير قادر على تحمّل وزن محفظته وقد ملأها قسرا بأنواع شتى من الكتب والكراسات ووسائل الكتابة. لنؤشر بالأرقام حتى يكون المشهد واضحا وضوح الشمس ونفرك محفظة أبنائنا كما «نفرّك الرمانة».. فالتلميذ من الدرجة الأولى يقصد مدرسته في حصة دراسية مسترسلة من الساعة 8 الى منتصف النهار أو من الساعة 13 الى الساعة 17 وعليه أن يحمل كل لوازمه المدرسية من ألفها الى يائها أي من الكتاب إلى الممحاة.. وتصوروا معنا ثقل المحفظة على كتف طفل صغير من «وزن الريشة». أما مع تلاميذ الدرجة الأولى والثانية والثالثة فيتغير الحال شكلا ومضمونا لأنهم يدرسون على فترتين صباحا وبعد الزوال وتنضم الى جدول موادهم اللغة الفرنسية واللغة الانقليزية والإعلامية.. وتلميذ السنة الرابعة على سبيل المثال يضع في جوف محفظته في الفترة الأولى لوحا وملفا وكنشا وكراس الدروس وكتاب الرياضيات وكراس تمارين الرياضيات وكتاب الايقاظ العلمي وكراس الحساب وكراس الهندسة وكراس الايقاظ العلمي وملف أوراق التصوير ومقلمته ومسطرة وقد يزيد معها قارورة ماء ولمجة.. هذا في الحصة الواحدة. أما في حصة السبت حيث تعمل جل المدارس بنظام الحصة المسترسلة من الساعة 8 الى منتصف النهار فالتلميذ المذكور مطالب بحمل أدوات مواد العلوم التي صنفناها في سياق الكلام ويضيف إليها أدوات الفرنسية والمتكونة أساسا من كتاب القراءة وكتاب التمارين وكراس الفرنسية وكراس المحفوظات وملف الوثائق.. وتصوروا معي كيف تصبح محفظة التلميذ وهو يؤمّ مدرسته يوميا.. تراها محشوة حشوا تكاد تنفجر دون شفقة ولا رحمة إلا لمن أنقذته أمه أو سيارة أبيه وعكس هذا فأجسام الصغار تتمايل وتترنح تحت ثقل المحفظة واسألوا الأمهات عن شكوى أبنائهم كل مساء لما يسترخون على الفراش.. هذا في يوم واحد فكيف الحال مدة موسم دراسي كامل؟؟؟ ثم لنتصور المشهد لدى أبناء الأرياف ممّن يتنقلون مسافات طويلة بين المنزل والمدرسة؟؟؟ عناء وتعب ومشقة تحوّل متعة التعلم لدى العديد منهم وخاصة ضعاف البنية الى نقمة. فهل نرى سلطة الإشراف تدرج موضوع وزن المحفظة المدرسية في ملف إصلاح المنظومة التربوية؟