لا تزال قضية مركز معالجة النفايات ب«جرادو» من ولاية زغوان تثير جدلا واسعا وخصوصا بعد صدور حكم من المحكمة الإبتدائية بزغوان منذ حوالي أسبوع يقضي بإعادة فتح مركز «جرادو» وفق مجموعة من الشروط سنتولى ذكرها لاحقا. السيد «حسين بن عبد العزيز» مهندس وباحث تونسي أصيل منطقة «جرادو» كشف عن العديد من المعطيات الهامة والخطيرة عن هذا المركز مؤكدا ان هذه المعلومات من شأنها تغيير الواقع وإنارة العدالة والجهات المختصة. وحذّر « بن عبد العزيز» من كارثة حقيقية قد تحدث في تونس لو إستمر نشاط هذا المركز مضيفا ان الأسوأ قادم لا محالة مشيرا إلى ان المسألة قد تكون مسألة وقت لا غير. وذكر السيد حسين ل«التونسية» انه قام بدراسة معمقة حول مركز «جرادو» لمعرفة طبيعة المكان ودراسة المراكز القريبة منه مثل مركز فسفاط الصخيرة والمظيلة... ومقارنة تجارب بلادنا بما يوجد في «أوروبا» والوقوف على وسائل التخلص من النفايات السامة في هذه البلدان مما مكنه من الخروج بجملة من الاستنتاجات. هذا ما عاينه الأهالي؟ وقال «حسين» ان محكمة «زغوان» تقيّدت بما صدر في العريضة التي قدّمها الأهالي حيث كانت معاينتهم بسيطة وذكروا انهم شاهدوا شقوقا في الأحواض وان النفايات مدفونة بطريقة عشوائية وأنه على هذا الأساس تقيد رئيس المحكمة بما ورد في العريضة وكلف خبراء للتثبت في النقاط الواردة فيها وبالتالي عمل الخبراء وفق العيّنات مؤكدا ان صدور الحكم كان مرتكزا على هاتين النقطتين لا غير. وأضاف أنه كمهندس وباحث مختص قام ببحث استغرق 7 أشهر وأنجز 3 تقارير ولكنها للأسف لم تؤخذ بعين الإعتبارعند الحكم مؤكدا ان المحكمة التزمت بما ورد في العريضة مشيرا الى أن ذلك طبيعي. التخلي عن الأحواض ومعالجة التربة لكن ...؟ وقال محدثنا ان الحكم نظري وجاء فيه انه يجب التخلي نهائيا عن الأحواض مع العلم أن هذه الأخيرة تضم عصارة النفايات وينص الحكم على إيقاف نشاط المركز إلى حين إعادة هيكلته وقال «لكي نتخلى عن منظومة الأحواض يجب رفع كميات التراب الملوث ومعالجته» مضيفا ان الشرط الثاني هو رفع النفايات المدفونة عشوائيا ومعالجتها وتساءل محدثنا: «هل يمكن القيام بذلك فنيا ؟هل ان التجهيزات في تونس قادرة على المعالجة أم لا ؟» معتبرا ان مصدر الخطر متأت من المصبّ في حد ذاته وليس من الأحواض. وأكد «حسين» ان الثابت حسب اغلب الدراسات ان وحدة المعالجة الفيزيائية تقوم ب 30 في المائة من المعالجة والبقية ليست لها القدرة الكافية على علاجها وبالتالي كيف يمكن معالجة آلاف الأطنان من التراب ؟ مذكرا ان هناك مواصفات يجب ان تتوفر في التربة ولا يمكن تطبيقها إلا إذا كان الموقع مناسبا. مضيفا ان اختيار الموقع كان منذ البداية خاطئا وبالتالي لا يمكن تطبيق المواصفات المنصوص عليها. ماذا في دراسة 1994؟ وقال ان الدراسة الأولية لاختيار الموقع تمت منذ 1994 وأن الاختيار وقع على مكان آخر مشيرا إلى أن الشركة التي قامت بالدراسة حددت 20 موقعا أوليا وحسب الترتيب تم اختيار منطقة «بوفيشة» من ولاية سوسة لأن تربتها تتلاءم ومركز النفايات المزمع احداثه مضيفا انه أمام رفض السلطة آنذاك إنجاز المركز في سوسة قام الرئيس السابق سنة 1997 بإصدار أمر رئاسي ينص على إحداث المصب في «جرادو» مضيفا ان جذور المشكل تعود إلى ذلك التاريخ وقال ان الخبراء الذين تم تعيينهم آنذاك تواطؤوا مع وزارة البيئة والسلطة وأقرّوا بإنجاز المركز في «جرادو» رغم علمهم ان التربة غير صالحة لإقامة مشروع مماثل. وأشار محدثنا إلى ان الدراسة المنجزة سنة 1994 بيّنت ان التربة الموجودة في «جرادو» لا تناسب إلا النفايات من صنف 3 مثل «اللوح وفضلات البناء...» وأن تربة «جرادو» لا تقبل حتى النفايات المنزلية فما بالنا بالنفايات من صنف واحد؟. مخاطر على المائدة المائية وقال ان المخاطر بعد إنشاء هذا المركز تكمن في أن النفايات المدفونة منذ 2007 تتسرب تدريجيا نحو المائدة المائية سيّما ان المركز شيّد على بعد 150 مترا من المائدة المائية وعلى بعد 200 متر من 3 مقاطع للحجارة تستغل منذ 1975. ونبّه «حسين» إلى ان تسرب النفايات إلى المائدة المائية مسألة وقت لا غير وساعتها ستحصل الكارثة في «زغوان» وحتى في تونس معتبرا ان بعض الخبراء قيموا التأثيرات على المدى المتوسط وأن تحليله الشخصي ذهب إلى أن مدة وقوع الكارثة هي أقل من 15 سنة منذ انطلاق المشروع. وشدّد على ان تسمية المركز في حد ذاتها تضم مغالطة كبرى فالإسم هو مركز معالجة النفايات لكن الحقيقة انه مركز للتخلص من النفايات السامة والخطيرة وبالتالي حتى التسمية لا تتناسب وواقع المركز وقال أن المجمع مخصص للتخلص من النفايات السامة ويضم: مخزنا للنفايات المزمع بعثها إلى الخارج. مخزنا للنفايات القابلة للرسكلة. مخزنا في انتظار ظهور نشاط رسكلة غير متوفر حاليا. مطمورا لمنابع المواد الإشعاعية وبالأخص المتأتية من مستشفى صالح عزيز. مساحة أو «مقبرة» لدفن النفايات الخطيرة. ومساحة لدفن النفايات الحرجة. وقال «حسين» إن النفايات الحرجة في ألمانيا تُدفن على عمق 8 آلاف متر بمناجم الملح وتصنف (ضمن الترتيب 0). وأكد ان المصبات في العالم وفي تونس تصنف إلى عدة أصناف من 0 إلى 3 وتعتبر النفايات صنف 1 من النفايات الخطرة وصنف 0 خطرة جدا. وقال هل يجوز ان تستقبل نفس التربة نفايات صنف 0 و1 ؟ مضيفا ان هذا الأمر غير معمول به في العالم أجمع لأن جمع صنفين سيمهد لحصول كارثة. وطالب محدثنا بضرورة الرجوع إلى نتائج الدراسة التي أنجزت سنة 1994 والتي تؤكد ان تربة «جرادو» غير صالحة لاستقبال مثل هذه النفايات. وقال «نحن اليوم أمام تحدّ كبير فإمّا ان نحترم حقوق الإنسان وحق متساكني «جرادو» في بيئة سليمة ومناخ سليم أو ان نعيش وفق «الهمجية» ونصلح خطأ وقع في الماضي بخطأ أكبر» معتبرا ان مأساة سكان «جرادو» ليست وليدة اليوم بل ان جذورها انطلقت منذ 1997. فهل يعاد فتح الملف أم كتب على سكان «جرادو» تحمل وزر الماضي؟