قبل أسابع من العيد كان المواطن متخوفا من عدم القدرة على شراء خروف العيد… فبعد مصاريف العطلة الصيفية الكثيرة والمتنوعة …جاءت مصاريف العودة المدرسية التي لا تقل وقعا على جيب المواطن من مصاريف الصيف وأعراسه وأفراحه وشواطئه ومهرجاناته ورحلاته… ومما زاد الطين بلة وجعل الكثيرين يطالبون بفتوى لمقاطعة الأضحية هذه السنة؟؟؟ الغلاء الفاحش الذي شهدته أثمان الأضاحي بما لم يعرفه التونسيون من قبل … مما جعل الكثيرين يقررون مقاطعة الأضاحي والاكتفاء بشراء بعض اللحم… فثمن أقل خروف كان يفوق مرتب عامل يتقاضى الأجر الأدنى الفلاحي أو حتى الصناعي… والغريب أن الدولة والهياكل المعنية لم تفعل شيئا لمساعدة المواطن وكبح جماح الغلاء الفاحش والمضاربة المتوحشة ونهش ما بقي من لحم على عظم المواطن المغلوب على أمره … سوى قرار باستيراد 6000 رأس خروف إسباني ليتم بيعها في مناطق معينة وقد تصل المواطن البسيط وقد لا تصل كما حدث في السنة الفارطة حيث يتفنن السماسرة في مراوغة القوانين لوضع اليد على أكبر قدر ممكن من تلك الخراف حتى لا تأثر في أثمان الأضحية وفي أرباحهم التي يريدونها أن تكون في حدها الأقصى… الدولة تعاملت مع الموضوع باعتماد الحكمة الشعبية" يا ملك الموت منك لصاحبك" وتركت الحبل على الغارب مثلما تفعل في العديد من المجالات الأخرى …وذراعك يا علاف…وانتي وزهرك… ولي جات فيه مشات فيه وفي الحشاشة…ولي حج حج ولي عوق عوق؟؟" … وكأنه ليس لنا وزارتان معنيتان مباشرة بالموضوع وهما وزارة الفلاحة ووزارة التجارة… فلا نقاط بيع بأثمان معقولة من طرف وزارة الفلاحة … ولا ديوان أراض الدولة… ولا التعاضديات التابعة للدولة… تركت السماسرة يعبثون ويرتعون لوحدهم بحجة تحرير الأسعار؟؟؟ ولكن …الغلاء دواه الترك… وهي حكمة صحيحة ومجربة وقد دعونا لها في كتاباتنا السابقة… اقترب العيد..وأصبح على الأبواب ..ونسق الشراء لم يرتفع والطلب بقي ضعيفا … وأصبحت أينما حللت ترى الخرفان مكدسة ولا من مشتري… وتهاوت الأسعار… وصح الصحيح…وأصبح في إمكان العديد من متواضعي الدخل شراء الأضحية وإدخال البهجة على قلوب أطفالهم وأكل لحم الخروف مرة في السنة…. هكذا وفجأة أصبح الخروف متوفرا…وأصبح الثمن في متناول المواطن… أما من شرى في فترة الغلاء.."فلي وليه ربي" "وعليه بصبري" … ينظر كيف تشفى فيه السماسرة وكيف أن خروفه الذي شراه ب 600 دينار قد تدحرج ثمنه إلى 450 دينار… وربما أقل… فمتى تنظم الدولة هذا القطاع؟؟؟ ومتى تتحمل وزاراتنا مسؤولياتها في حماية مثل هذه المجالات الحيوية والتي هي من صلب اهتماماتها من استهتار المستهترين ومضاربة التجار الجشعين؟؟؟ ومتى نرى الاستعدادات لتوفير الأضاحي واللحوم الحمراء تتخذ منذ بداية الموسم وإحصاء المتوفر من الأضاحي وتحديد الحاجيات المطلوبة منها وتحديد استراتيجيات واضحة ومدروسة تكفينا هذه البهلوانيات الغير ممتعة بالمرة التي نراها في كل موسم أضحية… ونكف عن الارتجال ..والحلول الترقيعية …وفوران دم المستهلك الذي .. مهما كان حريصا فإنه سيجد نفسه في النهاية الخاسر الأكبر… بينما تنفق الملايين من أموال دافعي الضرائب على وزارات لا تقدم ولا تأخر وإنما تأخذ هي أيضا دور المتفرج فيما يعاني المواطن في صمت ولا يجد له من سند في وقت الأزمة سوى فرج الله والكثير من الصبر والجلد..