رفض القاضي بشير العكرمي المدّعي العام للشؤون الجزائية بوزارة العدل، ووكيل الجمهورية السابق بمحكمة تونس، كل اتهام موجه إليه بالتحزب أو بخدمة مصالح السياسيين. وقال العكرمي في حوار لمجلة "المفكرة القانونية" الإلكترونية نشر اليوم 7 جانفي 2021، إنّ الاتهام المذكور ما كان ليوجه له "لو لم يكن قاضي التحقيق الذي تعهد بملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد كما لم يكن ليتابعني لو اخترت أن أخضع لما كان يطلب مني من اهتمام بالسياسة في إدارة أبحاثي"، وفق قوله. وكانت المحكمة الإدارية أصدرت يوم 31 ديسمبر 2020، قرارا بإيقاف تنفيذ قرار المجلس الأعلى للقضاء نقلة القاضي بشير العكرمي من خطة وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، إلى خطة مدّع عام بالإدارة العامة للشؤون الجزائية بوزارة العدل. وأشار العكرمي إلى أنّ "أطرافا سياسية متعددة الألوان لها حضورها بمجلس القضاء العدلي ومراكز قوى قضائية لها نفوذ به ساءها أن تكون موضوع بحث قضائي وأخرى ترفض أن ترسو دولة المؤسسات"، دفعت إلى استبعاده من خطة وكيل الجمهورية. ولاحظ العكرمي معلّقا على الأسئلة التي طرحت عليه في هذا الحوار، أنّه قبلها طوعا رغم طابعها الاتهامي، وفق تعبيره. وأضاف "ليس بحثا عن براءة من تهمة تلاحقني ولكن طلبا لوعي مجتمعي أكبر بأهمية معركة استقلال القضاء والتي يعد القضاء المهني دوما ساحتها الحقيقية". وأشار بشير العكرمي إلى أنّ اختياره سنة 2013 لمباشرة التحقيق في قضايا اغتيال بلعيد والبراهمي "كان مبرره كما قيل لي حينها أنني قاض من الرتبة الثالثة، وبالتالي صاحب خبرة وخطورة الجريمة تقتضي أن يباشرها من كان بمثل تجربتي". ونبّه إلى أنّ حملات التشكيك ضدّه انطلقت بعدما طلبت منه أطراف في القضية توجيه الاتهام لأسماء شخصيات محددة ليس انطلاقا من الملف بل بالاستناد لمواقف سياسية منها. وهو ما رفض الاستجابة له، حسب قوله. وتابع قائلا: "هناك من وزراء العدل من حاول لاعتبارات سياسية ممارسة ضغوط عليّ بهدف أن استجيب لطلبات القائمين بالحق الشخصي في قضية الشهيد بلعيد وأن أوجّه ما يسمى في حينها الاتهام السياسي على شخصيات سياسية أساسا من قيادات حزب حركة النهضة. أجبته حينها بوضوح وتمسكت برفض الانخراط فيما يطلبه. هدّدني بفتح بحث ضدي بالتفقدية العامة فأعلمته أني لا أنزعج من ذلك وهو ما تم فعلا. وأفيدكم هنا أن أعمال التفقد انتهت بدورها لتأكيد أني اشتغلت بمهنية كاملة وطبعا هذا لم يقنع ذاك الوزير الذي واصل في هرسلتي لآخر أيام عمله". وشدّد العكرمي على توفّقه في إدارة الملفات التي تعهد بها، وقال: "أعتقد أني نجحت مهنيا في قضية الشهيد شكري بلعيد وكل القضايا التي باشرتها. لست أنا من يقول ذلك بل مسار القضية من بعدي. ربما كثيرون ممن يطلقون الاتهامات في حقي وممن يصدقونهم لا يعلمون أن كل قراراتي التي تم التشهير بها نظرت فيها بعدي دائرة الاتهام بوصفها قضاء درجة ثانية لعمل التحقيق وأيدتها. كما أن تلك القرارات كانت كذلك موضوع طعن بالتعقيب أمام دوائر متعددة بمحكمة التعقيب وتأيدت جميعها بما يؤكد قانونيتها". وأشار العكرمي إلى أنّ ترقيته لرتبة وكيل جمهورية لمحكمة تونس العاصمة سنة 2016 بقرار من هيئة مستقلة ومنتخبة هي الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، وهو ما يدحض ما يروّجه البعض من أنّ ذلك "مكافأة على حماية النهضة". وتحدث العكرمي عن موضوع التنصت، وأكّد أنّه صدر عنه إذن وحيد بالتنصت الهاتفي على قاضٍ في شبهة رشوة وتحيل والقضاء لا زال يتعهد بالموضوع. وتابع قائلا: "أنا فخور بأني رفضت التستر على الفساد بعنوان الزمالة وغالبية الزملاء يحترمون موقفي لاعتبارات مبدئية". وبخصوص ملف الفساد القضائي الذي أثير مؤخرا وصدرت فيه قرارات برفع الحصانة عن الطيب راشد رئيس محكمة التعقيب وتجميد عضوبته بالمجلس الأعلى للقضاء، أوضح العكرمي أنه "بتاريخ 7 جانفي 2020 توصلت النيابة العمومية من المجلس الأعلى للقضاء بإخطار حول شبهة فساد تعلقت بقاضيين صدر عنه أي المجلس قرار بعزلهما. كان يمكن هنا أن تقتصر الأبحاث على من ورد ذكره في المراسلة وهو أمر كان سيرضي من هم في موقع القرار القضائي لأنه يغطي الفضيحة ويحصرها في الحلقات التي كشف أمرها. لكن النيابة العمومية اختارت أن تبحث في الموضوع بتجرد ودون اعتبار للأسماء أو المواقع. انتهى البحث للكشف عن شبهة تورط شخصية قضائية بارزة في الموضوع. وهنا وبمجرد وصول العلم لدوائره بذلك، تمت المسارعة باستبعادي من وكالة الجمهورية".