دخلت تونس أزمة سياسية حادة بين رأسي السلطة التنفيذية، بسبب رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد، قبول الوزراء الجدد الذين اختارهم رئيس الحكومة هشام المشيشي، لأداء اليمين بعد نيلهم الثقة من البرلمان يوم 26 جانفي الماضي. وأرجع الرئيس سعيد موقفه إلى تحفظه على بعض الوزراء بدعوى وجود شبهات فساد وتضارب المصالح تحوم حول البعض منهم. كما أعلن الرئيس اعتراضه على الإجراءات التي رافقت التعديل لأنها برأيه تفتقد لسند دستوري، في إشارة إلى نيل الثقة من البرلمان. في المقابل، اعتبر بعض السياسيين أن إصرار رئيس الجمهورية على شروطه، رغم مرور التعديل الحكومي على البرلمان مؤشر على بداية ديكتاتورية جديدة. وفي هذا السياق اعتبر النائب عن حركة تحيا تونس الداعمة للحكومة، وليد جلاد، أنّ الرئيس بصدد خلق أزمة خطيرة في البلاد "تشرع للديكتاتورية". مضيفاً في تصريح اعلامي "حتى لو سحبت الثقة من المشيشي واتفقنا على شخصية جديدة، من يضمن أن الرئيس سيوافق على ذلك". ومن جانبه نبّه أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور من خطورة حديث البعض عن أحقية رئيس الجمهورية في تأويل الدستور، مشددا على أن عبارة سهر على احترام الدستور لا تعني أن يصبح تأويل الدستور اختصاصا حصريا للرئيس وأن يتم فرض هذه التأويلات على بقية السلط. واعتبر بن عاشور في مقال مطول حول ازمة اليمين الدستورية أن منح رئيس الجمهورية "سلطة" تأويل الدستور يفتح الباب على مصراعيه أمام تجاوز السلطة وعودة الديكتاتورية، مشيرا إلى أن السلطة القضائية هي التي تضمن علوية الدستور. بدوره، أكد رئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفي في تصريح لإكسبراس أف أم أنه لم يفهم جدوى لقاء رئيس الجمهورية مع عدد من النواب حول أزمة اليمين الدستورية، موضحا أن رئيس الحكومة له كامل الحرية في اختيار من يشاء. وأضاف الناصفي أنه بقينا في جدال عقيم على المستويين الدستوري والقانوني، موضحا أن هذه الحالة لا تخدم مصلحة الشعب أمام الإصرار والعناد وعدم التنازل. وأفاد الناصفي بأن خطاب كتلته كان دائما عقلانيا وقد حذّر في أكثر من مناسبة من تشنج العلاقة بين رئيسي الحكومة والجمهورية، محملا رئيس الجمهورية المسؤولية في هذه الأزمة والذي كان عليه أن يقوم بواجبه المنصوص عليه في الدستور. وأوضح الناصفي أن الوزراء المعترض عليهم لا يملكون أي حصانة إذا ثبت عليهم تورطهم في شبهات فساد وتضارب مصالح، مضيفا أن رئيس الجمهورية تحدث عن مواضيع لا تهمّ الأمة والتونسيين في شيء وأن عليه التصريح بنواياه، على غرار دفعه لاستقالة المشيشي، أو الذهاب في استفتاء. يذكر أن رئيس الجمهورية قيس سعيد شدّد خلال اجتماعه مع عدد من نواب البرلمان بقصر قرطاج، الأربعاء، على أن "حل الأزمة القائمة يكون باحترام النص الدستوري لا بالتأويلات أو الفتاوى التي في ظاهرها حق وفي باطنها تجاوز للدستور، ولا بالبحث عن مخرج قانوني مستحيل"، مجدداً حرصه على تطبيق الدستور واحترام علوية القانون ومؤسسات الدولة. كما أضاف أن التعديل الوزاري تم إجراؤه بطرق غير سليمة وفيه الكثير من الخروقات، مشيراً إلى أنه لن يترك كل من تعلقت به شبهات الفساد وتضارب المصالح أن يؤدي اليمين الدستورية، لافتاً إلى أن لديه من المعلومات الكافية ما يجعله يتمسك بموقفه.