شدّد سامي الجربي، أستاذ التعليم العالي، وعضو الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، على أنّ "الاستقلالية" يجب أن لا تكون العائق الأساسي في تعيين عضو بالمحكمة الدستورية، معتبرا أنّ "الاستقلالية" هي علاقة ذاتية بين شخص ومؤسسة، وأنّ القضية الأساسية هي الحياد بمعنى "التعامل المهني الموضوعي مع النص القانوني والقاعدة القانونية". وأضاف الجربي في مداخلة بندوة نظمها، أمس، اتحاد قضاة محكمة المحاسبات بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية، حول تركيز المحكمة الدستورية: "قد يكون الشخص مصنّفا ولكن يتعامل مع النص القانوني يكون موضوعيا بالآليات التي جاء بها الدستور، وبالطريقة الاستنباطية انطلاقا من الدستور ومن الإشكال ومن الأعمال التحضيرية. وهذا هو الجوهر في تسمية الأعضاء". وتابع الجربي: "ليست قضية استقلال بل قضية من لا يحايد. فهناك من قدم ترشحه ليعيد كتابة الدستور، إذ لم أر دستورا في تاريخ الدساتير كان سببا في ردود عدوانية وردود إقصائية، من عديد الذين يترشحون للمحكمة، وهو انتصاب فوضوي ومواز بنيّة واضحة. ففي موضوح الحريات هناك مترشح اقتطع توطئة الدستور التي هي ملزمة، وربط جميع أحكامه بفقه قضاء المحكمة الأوروبية في الحريات وغيرها". واعتبر المحاضر أنّ القضية أصبحت أخلاقية قيمية، وفق تعبيره. وحول شروط عضو المحكمة الدستورية، أوضح سامي الجربي: "هناك نفسية قضائية يجب أن تتوفر في القاضي (الدستوري) مهما كان. إذا كان بإمكانه أن يدفع بالنص نحو توليده بطريقة مهنيّة استنباطية فهو قاض". وأشار إلى أنّ هناك من جاء بطريقة استقرائية وله خلفية تعبّر عنها بعض المصطلحات الصادمة مثل القول إنّ الدستور "قُدّ على المقاس" أو أنّه "حذاء يُنتعل"، وهو ما يعني أنّه يجب أن يكون على مقاسه هو أو أن يوضع بطريقة أخرى. ووصف المحاضر هذا التوجه بأنّه "يشي بتفسير مخالف لما يقتضيه النص الدستوري الذي أقفل على نفسه الأبواب على طريقة التفسير، فالدستور التونسي يفسّر بالانسجام". وردّ الجربي على من يردّد أنّ الدستور والهيئات وضعت على المقاس. وقال : "ما أنجزه التونسيون كبير، باستثناء من يصرّ أن يكون مجهريا وأن يكون صغيرا. فهو دستور مجيد وضع على مقاس مجيد، بإرادة شعب مجيد. ومن يرى غير ذلك، أنّه يُنتعل أو يستنقص منه، أو يحاول التلفف عليه، لن يكون سوى ملصقة من جمعيات التلصيقيات، الملصقة التي تهوي بأوّل شعاع دافئ من ربيع تونس". وتابع قائلا: "هذا الدستور سيكون مولّدا لعديد القيم، وسيكون حاميا للشعب وسيكون الشعب حاميا له، والأهم أنّ القضاء المجيد هو الذي سيكون بجميع فروعه من الذين يذودون عنه". وبخصوص الخلاف حول النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، أشار الجربي إلى أنّ الموقف الاستشاري والضمني للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، هو أنّ "المختصّ الوحيد به هو المحكمة الدستورية، وليس لرئيس الدولة أن يحشر نفسه في هذا الأمر، وليس له أي اختصاص فيه ولو اعتبر نفسه المطبق والساهر والحامي مثلما ينسب لنفسه. فليست لرئيس الدولة أهلية الاختصاص في البت في النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، وليس له أن يؤوّل الدستور، بل له موقف دستوري فقط".