أجمعت تدخلات نواب البرلمان الأوروبي، مساء أمس الثلاثاء 19 أكتوبر 2021، في جلسة خصصت للأزمة السياسية في تونس عقب الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها قيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي، وفي مقدمتها إقالة رئيس الحكومة وتعليق عمل البرلمان وإصدار أمر رئاسي يعلّق أغلب فصول الدستور، وتوليه السلطة التنفيذية بعد احتكاره تعيين رئيس الحكومة وأعضائها وتحديد توجهاتها العامة. وانفردت كتلة "الهوية والديمقراطية" في البرلمان الأوروبي، التي تضم أعضاء من اليمين المتطرف العنصري والفاشي، بمداخلتين داعمتين لقيس سعيد. ودعا جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في مداخلته الافتتاحية، إلى استعادة النظام الديمقراطي في تونس. وقال بوريل: "لا يمكن أن يظل البرلمان مغلقا لأجل غير مسمى". وحث المتحدث قيس سعيد على وضع جدول زمني محدد لإعادة فتح البرلمان. وقال: "من الأهمية بمكان، بالنسبة لمستقبل البلاد ومصداقيتها في الداخل والخارج، أن يستعيد الرئيس والسلطات التونسية على كافة المستويات النظام الدستوري والمؤسسي بالكامل بما في ذلك عودة النشاط البرلماني". وشدّدت النائب عن الخُضر، سليمة ينبو، على أنّه يجب المراهنة على الديمقراطية في تونس. وقالت: "نحن نتابع منذ 25 جويلية الوضع في تونس.. إجراءات استثنائية مفتوحة، احتكار السلطات بيد الرئيس، تعطيل البرلمان ودستور 2014، إقامة جبرية ومنع من السفر، قضاء عسكري يحاكم المدنيين.. نحن ننتظر منذ جويلية إشارات طمأنة لم تأت بعدُ. ولذلك نحن نذكر بالمسار الذي قطعته تونس منذ 2011 البلد المغاربي الوحيد الذي نجح في أن يكون على طريق الديمقراطية". وأضافت: "اتفهّم خيبة أمل التونسيين الذين لعجز البرلمان عن مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية، لكن لا يمكن أن اعتقد أنّ التونسيين يريدون العودة إلى الوراء. أعرف أنّ جزءا من الشعب التونسي له ثقة في رئيسه لكن هذه الثقة لا يجب أن تسمح بالمس بحسن سير المؤسسات المستقلة. فلا شيء دائم دون المؤسسات". وتابعت: "لقد راهن الشعب التونسي على الديمقراطية وكسب جائزة نوبل عن طريق الرباعي، وسندعم هذا الرهان". وختمت مداخلتها باللغة العربية قائلة: "تعيش الديمقراطية في تونس". وفي المقابل دافع النائب عن اليمين الفرنسي العنصري تييري مارياني، العضو بكتلة "الهوية والديمقراطية"، عن إجراءات قيس سعيد، وهاجم "الربيع العربي" واعتبر أنّ بعض البرلمانيين الأوروبيين يروّجون لمواقف "الإخوان المسلمين"، ودعا إلى مساندة سعيد والاحتفاء بتعيين امرأة رئيسة حكومة. ويشار إلى أنّ هذا النائب من داعمي الرئيس السوري بشار الأسد وقد أدّى زيارة مساندة له بدمشق. وقال غيليس لوبروتون النائب اليميني الفرنسي، العضو بالكتلة البرلمانية نفسها، إنّ وعود الثورة التونسية لم تتحقق بعد مضيّ عشر سنوات وتفاقمت بحدة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وخرجت مظاهرات كبيرة للتنديد بالفساد المستشري. وأضاف: "أتفهم أنّ الرئيس قيس سعيد قرر بعد هذا التدهور أن يتحرّك، وهو منتخب بأكثر من 72 بالمائة من الأصوات وله شرعية ديمقراطية للفعل. ومن وجهة النظر الأوروبية فإنّ الوسائل التي اعتمدها سعيّد غير متوقعة، لكن هدف سعيّد هو التأسيس في أقرب وقت لديمقراطية خالية من الفساد، وأنا مقتنع أنّ أجندة سياسية تكون ديمقراطية حقيقية سيتم الشروع فيها بإعلان دستور جديد ثم تنظيم انتخابات. وأنا واثق من قدرات الشعب التونسي أن يقرر مصيره بنفسه في إطار السيادة". ومن جانب آخر اعتبر النائب ماسيمو كاستالدو (حركة 5 نجوم، إيطاليا)، أنّه "كان يمكن لتعيين نجلاء بودن أول رئيسة حكومة عربية أن يكون خبرا سارّا، لكنّني مثل أغلبيتكم لا يمكن إلاّ أن أعبّر عن قلقي لأنّ البرلمان التونسي مجمّد ولا يمكن له أن يصوّت على الثقة بالحكومة، من سيبدي موقفه إذن؟ المحكمة الدستورية؟ لم يتم إرساؤها، رغم توصياتنا". وأضاف: "نتفهم الوضع الخطير في المجال الصحي وكذلك الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه تونس والصعوبات السياسية والفساد. ولذلك أنا، باعتباري صديقا لتونس، أدعو الممثل السامي إلى مواصلة التعاون ودعم تونس. وأوجّه نداء إلى السيد قيس سعيد كي يسمح بعودة البرلمان وإنشاء المحكمة الدستورية". واعتبر المتحدث أنّ الإجراءات الاستثنائية لا تبرر احتكار السلطات لأجل غير محدد، وأن تبقى السلطات بيد فرد واحد دون توازن سلطات ودون رقابة دستورية. وتابع قائلا: "يجب أن تظل المنارة التونسية مضيئة، وعلينا نحن الأوروبيين أن نتحمل قسطا من المسؤولية في ذلك. وأذكّر أنّ الأشياء النبيلة لا يمكن بأي حال أن تبرّر بعض الوسائل. تحيا الديمقراطية التونسية". واعتبر أدام بيالان (الجزب الجمهوري، بولندا)، أنّ قيس سعيد "ضرب الديمقراطية التونسية في العمق. وهو اليوم يستحوذ على جميع السلطات القضائية والإدارية والتنفيذية. هذه الوضعية يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عنيفة مع المجتمع المدني". وطالب النائب الأوروبي بأن يقيم الرئيس سعيّد حوارا مع مختلف الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لإيجاد مخرج من الأزمة السياسية، وأنّه على المؤسسات الأوروبية والدول الأعضاء مواصلة دعم التطلعات الديمقراطية للتونسيين. وشدّدت النائب ماري أرينا (الحزب الاشتراكي البلجيكي)، عن كتلة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين، على أنّه في ديمقراطية حقيقية لا يمكن لشخص واحد أن يدّعي لنفسه السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. وقالت: "في ديمقراطية حقيقية لا يمكن لمرسوم أن يغيّر الدستور، ولا يمكن أن نمنع تعسفيا المواطنين من السفر، ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.. كل هذا يحدث في تونس، ولذلك نطلب إنهاء الإجراءات الاستثنائية، واستئناف المسار الديمقراطي، وعلينا نحن أيضا أن نقيّم سياستنا تجاه تونس لتكون أكثر جدوى". جدير بالذكر أنّ البرلمان الأوروبي سيصوّت غدا الخميس على مشروع قرار يتعلق بالأزمة السياسية في تونس.