برزت مؤخرا في المشهد السياسي مخاوف من توجّه قيس سعيد نحو الاستحواذ على السلطة القضائية، بعد استحواذه على السلطة التنفيذية كاملة بمقتضى الأمر 117 ليوم 22 سبتمبر 2021، من خلال المساس باستقلالية السلطة وضماناتها وهياكل تسييرها ناهيك عن اختراق المجلس الأعلى للقضاء والتدخل في تركيبته وتصنيف القضاة حسب ولاءاتهم. وأثار قرار جديد أصدره الرئيس قيس سعيد بتكليف وزيرة العدل بإعداد مشروع قانون للمجلس الأعلى للقضاء جدلا ومخاوف في الأوساط القضائية من حلّ المجلس الحالي والسيطرة على المؤسسة القضائية. وعبرت رئيسة اتحاد القضاة الإداريين رفقة مباركي عن تفاجؤ القضاة من هذا الإجراء، وقالت إنّ المسار الذي قدمه الرئيس غير واضح وهو يطرح فرضيتين، بحسب قراءتها. وأوضحت مباركي، في تصريح لإذاعة "شمس اف ام"، أنّ "الفرضية الأولى تتعلّق بوجود نية لحل المجلس الأعلى للقضاء، وإعداد مرسوم ينظم كيفية سير عمل المجلس، وهو الأمر الذي يرفضه القضاة باعتبار أن المجلس الأعلى للقضاء من أهم المكتسبات الدستورية للقضاة"، وفق تعبيرها، مؤكدة رفضهم تدخل السلطة التنفيذية في الشأن القضائي. أما الفرضية الثانية، بحسب رئيسة اتحاد القضاة الإداريين، فتعني جرّ القضاة نحو تعديل بعض مقتضيات قانون المجلس الأعلى للقضاء، مؤكدة أن التعديل يجب أن يتم التشاور فيه مع القضاة. بدورها، عبرت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، روضة القرافي، اليوم الأربعاء عن خشيتها من ترهيب القضاة وتخويفهم وذلك من خلال تصريحات رئيس الجمهورية وما ينتج عنه. وأكدت روضة القرافي، خلال استضافتها بإذاعة "شمس اف ام" عن استغرابها من حديث رئيس الجمهورية قيس سعيد في كلمة عن ممتلكات القضاة رغم أن النيابة العمومية تقوم بدورها. كما حذّرت القضاة من المشاركة في إعداد مرسوم يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء خاصة في ظل عدم وجود أي ضمانات إضافة إلى "أننا اليوم لسنا في دولة قانون"، وفق تعبيرها. ونبهت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، من تورّط القضاة في عملية إعداد المرسوم الجديد الذي قد يجعلهم يتورطون في المسّ من مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء التي قد تُصبح تابعة للسلطة التنفيذية. من جانبه، أكد المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين تمسكه باستقلال السلطة القضائية بأصنافها العدلي والإداري والمالي، وبهياكلها من هيئات حكمية ونيابة عامة، طبقا للضمانات والمكتسبات الدستورية الواردة في الباب الخامس من الدستور، وذلك في بيان له أمس الخميس. واعتبر المكتب التنفيذي أن مسار الإصلاح القضائي "هو مشروع ممتد في الزمن ولا يمكن أن يتحقق بإلغاء المكتسبات الدستورية لاستقلال القضاء، وإنما بالبناء عليها واستكمال نواقصها وتقويم ما اعتراها من أوجه الخلل". وفي رده على تصريحات رئيس الجمهورية، قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر، انه من الواضح ان تصريح قيس سعيد حول قانون المجلس الاعلى للقضاء يتعلق بإصدار مرسوم بخصوص المجلس، وإذا كانت النية هي إلغاء المجلس فذلك يعتبر تدخلا في القضاء . وأضاف بوزاخر، في تصريح إعلامي على هامش مشاركته في ملتقى بالعاصمة أمس الثلاثاء، أن إلغاء المجلس يعتبر إلغاء للضمانات الممنوحة للقضاء وللباب المتعلق بالسلطة القضائية في الدستور، مبينا أن هذا القرار له تأثير مباشر على باب الحقوق والحريات باعتبار أن القاضي هو الضامن للحرية. وشدد رئيس المجلس على أنه ليس ضد الإصلاح وإصلاح القضاء بالخصوص، لكن يجب أن يكون ذلك بطريقة تشاركية، مبرزا أن وجود مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء هو في حد ذاته ضمانة للقضاء وللسلطة القضائية المستقلة والغاء هذه المؤسسة هو عودة للوراء و مس من الضمانات الدستورية. وكانت رئاسة الجمهورية قد أعلنت اول أمس الاثنين، أن الرئيس قيس سعيد أكد خلال استقباله ليلى جفّال، وزيرة العدل، ونجيب القطاري، الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات، على "ضرورة إعادة النظر في القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي لا يقل أهمية عن الدستور، وذكّر بأن القضاء هو أساس مجتمعات والدول". وقال إنه "لن يتدخل أبدا في سير القضاء وفي أحكامه، وبيّن يقينه بأنه لن يتحقق أي تقدّم في أي مجال إلا إذا عمّ العدل في المجتمع".