السياسة التونسية هي أكثر تعقيداً من المنافسة الثنائية بين العلمانيين والإسلاميين. تقوّض الخصومة الإيديولوجية، والاختلافات الاستراتيجية، والانقسامات القيادية في صفوف الأحزاب العلمانية، قوتها في السياسة. بعد الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، فشلت الأحزاب العلمانية في تشكيل تحالفات قوية، أو تطوير شبكات الإقليمية، أو إنشاء برامج حزبية قابلة للبقاء، وغالباً ما استخدمت الخطاب المعادي للإسلاميين لجذب الناخبين، بدلاً من تقديم حلول للتحديات التي تواجهها تونس. لابل اعتبر البعض قبل ذلك أن نظام بن علي كان قد استلحق هذه الأحزاب. في ظل الترويكا، بدت الأحزاب العلمانية التي تمتلك برنامجاً وموقفاً إيديولوجيّاً محدّداً، وخصوصاً في مايتعلق بحزب النهضة الحاكم، على أنها أكثر مرونة من الأحزاب المتنوعة إيديولوجيّاً أو تلك التي تعتمد على قائد شعبي لتوحيد قاعدة متشرذمة ضد حكم الإسلاميين. يفتقر الكثير من الأحزاب العلمانية إلى ديمقراطية داخلية، ويتخذ القادة قرارات أحادية الجانب أو بالتنسيق مع أتباعهم الذين يتصرفون وفق مصالحهم الخاصة. عموماً، تشهد الأحزاب العلمانية التي كانت شرعية قبل الثورة صداماً بين الأجيال، إذ تتمسك الكوادر القديمة بالسلطة وتقاوم الإصلاح الهيكلي، فيما تفتقر الأحزاب التي شُرّعت بعد الثورة إلى رؤية واستراتيجية واضحة وموحّدة. حظيت الأصوات العلمانية مثل حزب نداء تونس و الجبهة الشعبية، بدعم وسائل إعلام بارزة ومنظمات المجتمع المدني و لم تنجح في اكتساب قاعدة جماهيريّة واسعة. تحتاج الأحزاب العلمانية إلى معالجة مسائل الاعتماد على شخصية القائد الواحد في السياسة، وأيضاً معالجة الافتقار إلى البرامج الحزبية، والتشرذم الإيديولوجي، ومقاومة الأجيال الجديدة من القادة. ستستمر الانقسامات والخلافات، طالما أن القادة العلمانيين يواصلون إعطاء الأولوية إلى الطموحات أو التنافسات الشخصية على حساب الوحدة والتنسيق.