وصل المشهد الإعلامي في تونس إلى درجة لم نعد نتحدث فيها عن سلّم النزول والصعود ودرجات التردّي والانحطاط وإنّما أصبح الحديث عن عمق التعفّن ونوعيته وطبيعة السوس الفتّاك الذي بات ينخر هذا المشهد، فقد يكون من المقبول أن تتناول بعض المواقع سيرة أحد المنحرفين في إطار بعض التحقيقات الجنائيّة أو تسليط الضوء على مناحي اجتماعيّة للاستفادة منها في معالجة مظاهر الانحراف، لكن لا أحد كان يتوقّع أن تعمد بعض وسائل الإعلام إلى منحرفين "خلايق" وتقوم بتسويقهم وتأهيلهم للعب أدوار في السّاحة السياسيّة. إذاعة موزاييك أف أم وجريدة الصباح وبعض المنابر الأخرى ومن حرصهم على مصالح تونس وبعد أن انخرطوا منذ مدّة في البحث عن زعامات سياسيّة تملك كاريزما القيادة يقدّمهونها للمجتمع الذي يعاني من فراغ في كوادر وطاقات التسيير وفق رأيهم، هذه المنابر المستأمنة على السلطة الرابعة وبعد أن نفضت أيديها من الغنوشي والمرزوقي وبن جعفر وبن سدرين وسعيد والأبيض وعبو.. توجّهت لاستنساخ برنامج ستار أكاديمي وتعديله ليصبح ستار سياسي، وفي طبعة البرنامج الأولى قدّمت لنا الأستاذ "البرنس" هذه الشخصيّة التي لا يمكن أن يزايد عليها خصوم بن علي الذين صارعوه لأكثر من عقدين لأنّهم وإن كانوا خريجي سجون فالبرنس يعرف السجن ويعرفه، لا بل لعلّه يتميز عليهم بقوة عضلاته وإلمامه بلغة الشوارع، وقد ذكرت موزاييك أنّ البرنس انخرط في قوى المجتمع المدني انطلاقا من خوفه على وطنه وعلى التونسيّين كما يرغب "البرنس" في التصدي لبعض المنظمات التي تقوم حسب قوله بغسل أدمغة الشباب، ويؤكد "البرنس" عبر وسائل الإعلام أنّ الرابطة التي سيكوّنها لا يدعمها أيّ حزب ولا تتلقى أيّ تمويل، بهذا تكون وسائل الإعلام التونسيّة قد أبرزت لنا نموذجا لرجل المجتمع المدني العصامي الذي كوّن نفسه بنفسه دون الحاجة إلى تمويلات الجهات والأشخاص . لا شك أّنّ المجتمع التونسي وبعد أن يستوعب الأمر ويقف على مستوى التعفّن الذي أوصلتنا إليه بعض البؤر الإعلاميّة والسياسيّة سيعرف انطلاقا من حسّه الحضاري كيف يعاقب نفايات التجمّع التي انتهزت فرصة تراخي الثورة وتجاذبات الفرقاء السياسيّين وشكّلت حزبها الجديد القديم ثم وبعد أن استفرغت جرابها من الحيل والمكر والدسيسة ذهبت إلى معاقل الجريمة تستأجر المرتزقة لتأثيث المجتمع المدني… إنّه لا يمكن بحال لمن استعمل مثل هذه الأساليب الدنيئة وعبث بخلايا المدوّنة السياسيّة وأحدث في ثقافة المجتمع المدني أن يكون شريكا مأمونا في بناء تونس الغد. نصر الدين السويلمي