لفي وقت تستقطب حكومة يوسف الشاهد، و"الوعود" التي أطلقها ورئيسها، أنظار المتابعين وغير المتابعين للشأن الحكومي، يتحوّل موضوع الفساد إلى "حلبة ملاكمة" سياسية ومدنية، تشكّل امتداداً للأزمة الهيكلية التي يعرفها الاقتصاد التونسي، تلك الأزمة المتمادية التي تدخل حكومتها "الثامنة" مع ما يستولدهُ ذلك من أسئلة حول قدرة الشاهد على مواجهة لا منتقديه فقط وإنما أيضا على الخروج من الزاوية التي حُشر فيها، في ما يتعلق بحربه على الفساد. وتتواصل هذه الحرب التي أعلنها الشاهد مثيرة حينا، ورتيبة أحيانا، رغم الانقادات التي واجهتها منها الانتقائية، ومنها توقفها في مرحلة البداية ولم تتقدم بعدها، لكن ما يشفع للشاهد حتى الآن أنها لم تنتهي بعد حتى تتم محاسبته، وما يهدده أنها لن تفشل إلا إذا كانت له يد في إفشالها. و لئن شملت المصادرة ثمانية من رجال الأعمال اُتهموا بشبهات فساد تم ايقافهم خلال الحرب التي أطلقها الشاهد، فإن المحكمة الإدارية قضت بإيقاف تنفيذ قرارات مصادرة أموال منقولة وعقارات ل 4 رجال أعمال موقوفين في إطار مكافحة الفساد، وهم كل من الصحبي سعد الله و نجيب إسماعيل و محمد الفقيه و فتحي جنيح. وأرجعت المحكمة هذا الحكم الى أن اللّجنة الوطنيّة للتصرّف في الأموال و الممتلكات المعنيّة بالمصادرة قد اعتمدت مسارا "غير سليم" عند اتخاذ هذه القرارات. وقد إستغرب النائب بمجلس نواب الشعب عن كتلة نداء تونس محمد الفاضل بن عمران من عجز ما وصفه "بالطاقم الهائل لرئاسة الحكومة عن إعداد ملفات قانونية متكاملة وسليمة"، متسائلا عن مدى جدية رئيس الحكومة في شن حملة على الفساد مقابل عدم نجاحها على أرض الواقع، على حد تعبيره. وكان النائب قد انتقد سابقا حرب الشاهد على الفساد وشكك فيها، حيث أكد أنّ أحد "كبار مستشاري" رئيس الحكومة هو الذي يتحمّل مسؤولية تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية التي صادق عليها وزراء مالية الإتحاد الأوروبي مؤخرا. وأضاف، أن إسم هذا الشخص ورد من بين الأسماء التي جاء ذكرها في ما يعرف بتسريبات إجتماع النداء العام الماضي، مشير الى أنّ هذا المستشار مطلوب في قضية جزائية كبيرة، رافضا تسميته لعدم إحراج رئيس الحكومة، بحسب تصريحه، داعيا إياه إلى "تنظيف" الدائرة المحيطة به. ويشير آخر مؤشر لمدركات الفساد في العالم الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في مطلع العام الجاري، إلى أن تونس تحتل المرتبة السابعة عربياً وال75 عالمياً ب41 نقطة على مؤشر الفساد. هذا وصنف وزراء مالية الاتحاد الاوروبي تونس ضمن قائمة سوداء تشمل 17 ملاذا ضريبيا، خارج الاتحاد الأوروبي، واعتمد مجلس الإتحاد، استنتاجاته بشأن قائمة المنظومات التشريعية غير المتعاونة في المجال الضريبي. تضييق الخناق على الشاهد اصبح سلاحا وتشكيك في مساعي رئيس الحكومة الذي يبقي احد اهم القيادات التي حظيت بموافقة الحزب مقاليد رئاسة الحكومة اصبح يوجهه له الاصدقاء داخل الحزب مما يعني ان القيادات الحزبية حتى بعد انشقاق الحزب الى قسمين ليسوا على موقف رجل واحد، موقف يرجح المراقبون للشأن السياسي ان تكون انعكسات اثاره السلبية على اداء الشاهد وان يقوي الخصوم السياسيين الذين ينتظرون خلاف الأصدقاء من الداخل. ويبقى تواتر الاخبار من قصر قرطاج والتصريحات المبطنة بخلفيات الصراع يوحي بان مستقبل السياسي لحكومة الشاهد لن يختلف كثيرا على حكومة الحبيب الصيد السابقة لان الخلاف يؤكد ان الرجل انتهت صلوحيته السياسية وحان وقت مغادرته الحكم بعد تحميله كل الاخفاقات وهو تقريبا ما يحدث الان في المشهد السياسي الراهن . لكن يبقى مصير حكومة الشاهد على محك قيادات حزبه ورضاء حكومة التوافق التي هي من تحدد وقت رحيله وسحب البساط من تحت بلاط الحكم او تعطيه الضوء الاخضر لمواصلة مسيرته التي تؤكد ان الحرب الساد باتت لعبة مفضوحة لخداع الخصوم والناس من اجل كسب الرضاء.