وسط هالة من الضبابية تخيّم على خلفيات القرار الاماراتي القاضي بمنع التونسيات السفر على متن الطائرات المتجهة من تونس الى دبي ، يحاول التونسيون فهم أسباب القرار وتحليل خلفياته بالعودة إلى الملفات العالقة بين البلدين وأسباب التوتر العميقة، والخلافات الجوهرية بينهما منذ مدة. و حسب تقارير اعلامية كثيرة فان توتّر العلاقات بين البلدين انطلق بعد أن أعلنت السلطات الإماراتية تجميد مشاريع كانت قد وعدت بإنجازها في تونس؛ على غرار مشروع "سما دبي"، و"مدينة تونس الرياضية"، و بحسب خبراء في السياسيات الخارجية و العلاقات الدوليّة فإنّ ملف شركة سما دبي يعتبر من ابرز الملفات التي سمّمت العلاقات التونسيةالإماراتية منذ سنوات . و اكد الخبير في السياسات الخارجية و القانون الدولي سامي الجلولي في حوار أجراه مع جريدة الصباح في عددها الصادر بتاريخ 25 ديسمبر، أن الشريك الإماراتي لم يحترم بنود العقود المبرمة والتي من خلالها فرطت الدولة التونسية في أراض شاسعة جدا تحتل موقعا استراتيجيا، ومنذ مدة بدأ تململ الحكومة التونسية من ملف سما دبي ذلك المشروع الاستثماري العملاق الذي بقي حبرا على ورق. و يؤكد نفس المصدر ، ان سما دبي «تملكت» بأراض استراتيجية في قلب تونس العاصمة ولم تلتزم بالعقود المبرمة مع الدولة التونسية التي نبّهت في كثير من المرات على سما دبي بالشروع في إنجاز المشروع أوإلغاء كل العقود المبرمة وتحميل الشركة غرامات تأخير قد تصل إلى أرقام فلكية ، ليضيف بأن شركة سما دبي في حكم الشركات شبه المفلسة منذ الأزمة المالية التي ضربت قطاع العقارات في العالم سنة 2008. فضلا عن هذا تحوم حول المشروع شبهات فساد ، بسبب إعطاء الشركة الأرض التي سيقام عليها المشروع بما يسمى في تونس بالدينار الرّمزي، أي من دون مقابل، مع منح "دبي القابضة" سيادة مطلقة عليها، وهو ما اعتبره المتخصصون غير مقبول لأنه ينفي السيادة التونسية على جزء من أراضيها، وهي امتيازات لم تمنح للشركة الإماراتية في مشاريع مماثلة في دول أخرى. مشكلة ثانية طفت على السطح في سبتمبر 2015، عندما راجت أخبار في تونس تتحدث عن توجيه مذكرة جلب دولية في حق حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بسبب القضية المرفوعة ضد الشركة صاحبة مشروع "سما دبي"، وهو ما نفته وزارة العدل التونسية بشكل مطلق، ولكنه خلّف استياء كبيرا لدى الإماراتيين، وكاد يقود إلى أزمة دبلوماسية وقتها. وكان وزير التجهيز والإسكان محمد صالح العرفاوي، قد توقع منذ أكثر من سنة عودة مشروع "سما دبي" قريباً بالتوصّل إلى اتفاق مع صاحب المشروع "أبو خاطر"، مؤكداً ضرورة مراجعة الملفات التي شابتها شبهات فساد، والتفاوض مع المستثمر بشأن الاتفاقات التي تشوبها بعض المشاكل. ولكن المشروع لا زال يراوح مكانه ولا تقدّم فيه مطلقاً. و بعيدا عن أزمة مشروع سما دبي ، فإن الإمارات لم تتدخر جهدا في محاولة إفشال التجربة الديمقراطية في تونس عقب فوز حركة النهضة الإسلامية بالأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي 2011، و نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرين متتاليين، اتّهم فيهما الإمارات بالوقوف خلف عدم الاستقرار في تونس؛ لرفض الرئيس التونسي تكرار نموذج السيسي في مصر بالسعي ل "سحق الإخوان". وكانت شركة الطيران الإماراتية منعت تونسيات، باستثناء الحاصلات على الإقامة أو صاحبات جوازات السفر الدبلوماسية، من السفر على متن طائراتها المتجهة من تونس إلى دبي.