اُتهم مجلس نواب الشعب بالتسبب بتأخير ارساء المسار الانتقالي وترحيل قوانين حارقة الى مواعيد لاحقة، وتعطيل ارساء الهيئات الدستورية التي كان من المفترض أن تكتمل بعد أشهر من انطلاق عمله. هذه الاتهامات رافقت عمل المجلس لعامه الثالث ويبدو أنها ستتواصل للعام الرابع أيضا، خاصة أن عدد مشاريع القوانين التي مازالت تراوح رفوف مكتب المجلس ناهزت ال 83 مشروع قانون محالة على اللجان التشريعية لمناقشتها قبل المصادقة عليها في الجلسة العامة للمجلس، بعضها يرجع إلى سنة 2014 في وقت يرجع 8 مشاريع قوانين إلى سنة 2015، و22 مشروع قانون الى سنة 2016، و53 مشروع قانون مازال لم يتم النظر فيها في سنة 2017. وتتضمن رزنامة العمل التشريعي للبرلمان خلال الثلاثية الاولى لسنة2018 النظر في حوالي 33 مشروع قانون محال من الحكومة من بينها 9 مشاريع قوانين مطلوب فيها استعجال نظر على غرار مشروع قانون يتعلّق بالمغادرة الاختيارية للأعوان العموميين ومشروع قانون يتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 64لسنة 1999 المتعلق بنسبة الفائدة المشطة. وستعرض جميع هذه القوانين على الجلسات العامة التي من المتوقع أن يبلغ عددها خلال الثلاثية القادمة 13 جلسة عامة بعنوان العمل التشريعي، و12 جلسة عامة بعنوان العمل الرقابي والتي تأتي في اطار حوار مع الحكومة في قطاعات مضبوطة، مع تخصيص أخر الأسبوع من كل شهر للحوارات القطاعية مع الحكومة وذلك إضافة الى عدد من مقترحات القوانين التي يقدمها النواب وسيركز مجلس نواب الشعب خلال الفترة القادمة عمله على مناقشة مشاريع القوانين ذات العلاقة بمكافحة الفساد وعدد من القوانين الأخرى المنظمة للهيئات الدستورية، فضلا عن القوانين التي تعزز منظومة حقوق الطفل وحقوق الإنسان عموما في تونس. وقد ضبطت ندوة الرؤساء التي ضمت أعضاء مكتب المجلس ورؤساء اللجان التشريعية والخاصة ورؤساء الكتل، المجتمعة يوم 20 ديسمبر الجاري، برنامج عمل المجلس مؤكدة على ضرورة التركيز خلال الثلاثية الأولى من سنة 2018 على مسألة استكمال مشاريع القوانين ذات الأهمية والتي طلبت فيها الحكومة من مجلس النواب استعجال النظر، وفق ما صرح به لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، النائب عن كتلة نداء تونس محمد بن صوف. وقد أضحت ظاهرة غياب النواب عن الجلسات العامة وخاصة منها المهمة، ملفتة فقد حضر جلسة منح الفقة لحكومة يوسف الشاهد الجديدة الاثنين 11 سبتمبر 2017، 150 نائبا فقط من أصل 217 نائبا. واكّدت رئيسة جمعيّة البوصلة شيماء بوهلال ان معدّل حضور نواب مجلس الشعب باللجان بلغ 59 % في حين ان معدّل حضورهم بالجلسات العامة في حدود 82 % وذلك منذ سنة 2015 تاريخ تاسيس المجلس. في هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي عبد الله العبيدي في تصريح سابق لل"شاهد"، المصالح الشخصية تسيطر على القضايا الاخرى، لأن مصلحة الاحزاب والنواب كأشخاص فوق مصلحة الدولة، وان توافقات بين جهات سياسية بعينها تطغى على البقية. محدث "الشاهد"، يعتبر في حديثه أن مختلف هياكل الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية، تعمل حاليا دون ضوابط لأن المؤسسات الدستورية لم تكتمل، لافتا الى وجود إرادة لدى المسؤولين في أن يعملوا بدون ضوابط. وأشار الى أنه يقيم عمل النواب ب"الصفر"، لان نواب الشعب لم يستطيعوا وضع اولويات، مشددا على انه كان عليهم استكمال الهيئات الدستورية في الاشهر الاولى كأولوية قصوى، لكنهم يعجزون عن ذلك منذ حوالي السنتين. هذا وأجمع ممثلو الكتل البرلمانية في تصريحات لوكالة تونس افريقيا للأنباء، على الحاجة اليوم إلى وقفة تقييمية شاملة ومراجعة جذرية لطريقة عمل المجلس، كما دعوا إلى إيجاد الآليات الكفيلة بتسريع نسق أشغاله، وإضفاء مزيد من النجاعة على أدواره التشريعية والرقابية على عمل الحكومة. النائب عن كتلة نداء تونس والناطق الرسمي السابق باسم مجلس النواب منجي الحرباوي، اعتبر أن النتيجة الأبرز لتعطل أشغال المجلس والبطء المسجل في أعماله هي فقدان الثقة في العمل السياسي ككل وفي المؤسسة التشريعية بالدرجة الأولى باعتبارها السلطة الأصلية، مبينا أن الصورة غير الجيدة للمجلس مردها عدم وضوح منهجية العمل وتداخل الأدوار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفق تعبيره. وبين أن إعطاء الأولوية لمشاريع القوانين الحكومية يستدعي بعد التجربة الماضية، التشاور والتنسيق حولها مع الكتل النيابية المساندة للحكومة قبل عرضها على مجلس الوزراء لتحقيق قدر من المرونة في المصادقة عليها على أن تقوم المعارضة بأدوارها الطبيعية، مشيرا إلى ما وصفه بالخلل في عمل المجلس بالعودة إلى مناقشة مشاريع القوانين وكافة فصولها أثناء الجلسة العامة، رغم ما تستغرقه من وقت وجهد للنظر فيها والاستماعات حولها صلب اللجان. وأكد أن لجنة التوافقات باتت إحدى أكبر معطلات عمل المجلس، والتي قال إنها هيكل غير قانوني يجعل الإتفاق السياسي يطغى على المعقولية التشريعية، داعيا إلى تنظيم هذه اللجنة وتقنين صلاحياتها والحد من تدخلاتها. وطالب الحرباوي رئيس المجلس ومكتبه، بتكليف مكاتب دراسات وخبراء مختصين لتحديد الإشكاليات التي تحول دون قيام البرلمان بدوره وضبط آليات كفيلة بتحسين أدائه مستقبلا، سواء في ما تبقى من هذه المدة النيابية أو في ما بعدها. وبدوره، أرجع النائب عن كتلة الحرة لحركة مشروع تونس حسونة الناصفي، أسباب تعطل أعمال البرلمان إلى غياب التنسيق بين الحكومة والكتل النيابية المساندة لها قبل إحالة مشاريع القوانين على المجلس، ملاحظا أن جلسات التوافق حول القوانين الهامة والتي لا يحضرها أعضاء اللجان، عادة ما تؤدي إلى إفراغها من محتوياتها لتحكمها المواقف السياسية. أما النائبة عن كتلة حركة النهضة فريدة العبيدي، فقد اعتبرت أن معالجة كافة أسباب تعطل أعمال مجلس نواب الشعب يبقى رهين المصادقة على مشروع تنقيح النظام الداخلي للمجلس المعروض على الجلسة العامة منذ شهر جويلية الماضي. ولفتت في جانب آخر، إلى أن البرلمان لم ينجح إعلاميا في عكس العمل الحقيقي للنائب سواء صلب اللجان أو في الجهات، فضلا عن أن النواب هم رؤساء اللجان القطاعية في المجالس الجهوية، مبينة أن التأخير في انطلاق الجلسات العامة وغيابات النواب والمناكفات وافتعال المشاكل من بعض الأطراف، تساهم بشكل كبير في تعطيل أعمال المجلس.