ما فتئت العلاقات التركية الأوروبية تشهد محطات كثيرة شابها التوافق تارة والاختلاف تارة أخرى، فرغم قبول الاتحاد الأوروبي ترشح تركيا لعضويته عام 1999 ، وضع الأوروبيون العديد من الشروط والعراقيل أمام هذه الدولة لتتعثر مفاوضات العضوية بين الطرفين، مما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول في تصريح له إنه استنفد طاقة اللهاث وراء أوروبا. وفي خضمّ هذا الشأن، على هامش زيارته إلى أوروبا، أعرب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عن أسفه لتأخير انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي عدة عقود، مشدداً على أن هذا الانتظار بات يرهق بلاده. وتابع اردوغان في السياق ذاته "جعلوا تركيا تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي طيلة 54 عاماً، وأقولها من هنا، من فرنسا، لسنا بصدد المطالبة المستمرة بالانضمام". جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده اردوغان مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في العاصمة الفرنسية باريس، السبت، مشيرا إلى أن "عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي باتت مُرهقة جداً لنا ولشعبنا". إلى ذلك اقترح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على تركيا "شراكة مع الاتحاد الاوروبي" كبديل عن الانضمام، بهدف الحفاظ على "ارتباط" هذا البلد باوروبا. وقال إثر اجتماعه بنظيره التركي رجب أردوغان بباريس "يجب أن ننظر في ما إذا بالإمكان إعادة التفكير في هذه العلاقة، ليس في إطار عملية انضمام بل ربما في إطار تعاون وشراكة مع هدف الحفاظ على ارتباط تركيا والشعب التركي باوروبا، والعمل على جعل مستقبله مبنيا على التطلع الى أوروبا ومع اوروبا". وأضاف "أرغب في أن نفعل المزيد معاً، وأن تبقى تركيا راسخة في أوروبا، لكنني أعتقد أن عملية الانضمام كما تم البدء بها لن تؤدي إلى نتائج في السنوات المقبلة". الا أنه اقترح مع ذلك "حواراً هادئا" في الأشهر المقبلة مع "إعادة تفكير، وإعادة صياغة ضمن سياق معاصر أكثر، مع الأخذ بعين الاعتبار الحقائق الحالية". وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة "جورنال دو ديمانش" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن مقترح الشراكة التركية الأوروبية، الذي عرضه الرئيس الفرنسي على ضيفه الرئيس التركي خلال زيارته إلى باريس، عوضا عن الانضمام للاتحاد الأوروبي. وقالت الصحيفة، في تقرير ترجمته عربي21، إن ماكرون لا يرحب بقرار المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، التي دعت إلى وقف التفاوض نهائيا بخصوص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وفي المقابل، يدعو الرئيس الفرنسي الشاب إلى تجنب الدخول في قطيعة مع الأتراك. وذكرت الصحيفة أن 19 سنة قد مضت وحلم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لم يتحقق بعد، وخلال زيارة أردوغان إلى فرنسا يوم الجمعة، يأمل في إعادة فتح أبواب الحوار مع المسؤولين الأوروبيين، وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها إلى إحدى أكبر دول الاتحاد الأوروبي منذ أحداث الانقلاب الفاشل خلال شهر جويلية عام 2016. وأضافت الصحيفة أن "تطلع أردوغان إلى إحياء المفاوضات من جديد مع الأوروبيين يبدو صعب المنال، خاصة أن تركيا قد شهدت على الصعيد الداخلي إقالة 140 ألف موظف، وإيقاف 55 ألف شخص، مع تراجع حرية الصحافة والتضييق على الصحفيين الأوروبيين في تركيا". وأفادت الصحيفة بأن ماكرون لم يخف حقيقة أن الوضع الحالي في تركيا يعرقل "تقدم" ملف العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي، وظاهريا، يوهمنا عرض الرئيس الفرنسي بأن ترتيبات إمكانية لحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي سهلة، ولكنها في الحقيقة معقدة أكثر مما نتصور. في المقابل، يعمل أردوغان على تجنيب بلاده حالة العزلة، وقد وجد في الاتحاد الأوروبي توافقا في وجهات النظر من خلال إدانة قرار ترامب الأخير بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ونوهت الصحيفة إلى أن ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي قد تم فتحه من جديد مع نهاية سنة 2015 بعد سنوات من إغلاقه. وخلال تلك الفترة، كان موقف أنقرة قويا نظرا لأن الأوروبيين قلقون من موجة الهجرة الوافدة على أراضيهم، وقد اشترطت تركيا الدخول في مفاوضات جديدة بخصوص العضوية مقابل استقبالها للاجئين الوافدين نحو القارة العجوز، لكن شهر العسل لم يدم طويلا بين الطرفين. وذكرت الصحيفة أن مطلب الأتراك المتمثل في تحرير التأشيرات وعلاوة مالية من الاتحاد الأوروبي تقدر بستة مليارات يورو للتعامل مع أزمة الهجرة، قد قوبل بالرفض. وصوت البرلمانيون الأوروبيون على تجميد المفاوضات خلال شهر نوفمبر سنة 2016 محتجين على عملية التطهير واسعة النطاق التي حدثت في تركيا كرد على محاولة الانقلاب الفاشلة، معتبرا هذه العملية بمثابة "انجراف سلطوي". وأضافت الصحيفة أن معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ترفض تجديد المفاوضات مع الجانب التركي. وحسب ما أفاد به المؤرخ والخبير السياسي، ساميم أكغونول، لوكالة فرانس برس فإن "أردوغان فضل إجراء زيارة إلى ألمانيا عوضا عن فرنسا، لكن يبدو أن أنغيلا ميركل كانت متعنتة". وفي الختام، قالت الصحيفة إنه خلال شهر سبتمبر الماضي، أكدت المستشارة الألمانية أنها تفضل إيقاف سير المفاوضات نهائيا مع أنقرة. ولكن إيمانويل ماكرون لا يشاطرها الرأي، حيث دعا إلى تجنب "الدخول في قطيعة" مع الجانب التركي.