لا يمكن التشكيك بأن العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني قد شهدت في فترات مضت مداً وجزراً، تماماً كما هي العلاقات بين هذا الكيان و عدة دول عربية، بيد أن حقائق تغوص وتطفو بين الآن والآخر تكشف تطور العلاقة بين الطرفين ممّا خلق ضجة كبيرة على الساحة العربية وتهجّما صارخا على السعودية التي بدأت بجس نبض الشعوب العربية والإسلامية، وإرسال إشارات من حين إلى آخر لاختبار ردود الأفعال المتوقعة في حال تم تطوير العلاقة الناشئة إلى مستويات أعلى وعلنية ، ثم انتقلت الى المرخلة العملية متجاهلة كلّ القيم والمبادئ. وفي خضمّ هذا الشأن ، أكد رئيس المعهد الأورشليمي للشؤون العامة التابع للكيان الصهيوني دوري غولد إن وضعا جديدا ينشأ في المنطقة، ظهرت بموجبه مصالح مشتركة بين "إسرائيل" والسعودية، وآن الأوان الكشف عن الاتصالات القائمة بين الرياض وتل أبيب. وأضاف: سبق لعدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، أن أعلنوا عن تغير في خارطة التحالفات السياسية في المنطقة، مع ظهور جملة من المصالح المتبادلة والتعاون المشترك بين عدد من الدول العربية المعتدلة وإسرائيل، مع بروز عدد من الصحفيين ورجال الدين السعوديين الذين يدعون مؤخرا للاعتراف بإسرائيل، كما أن عددا من كبار الشخصيات الإسرائيلية باتوا يجرون لقاءات صحفية مع مواقع ووسائل إعلام سعودية، مما يشكل بالضرورة تغيرا جوهريا في النظرة لإسرائيل. وأشار غولد، وهو الوكيل السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، إلى أنه كان الإسرائيلي الأول الذي التقى علانية في 2016 مع الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، ورئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في جدة. وأوضح أن هناك شبكة المصالح بين السعودية وإسرائيل تعود في معظمها إلى ثلاثة أسباب رئيسية تجعلهما تنظران إلى تطورات الشرق الأوسط بالمعيار والتقييم ذاته، أولها التنظيمات المسلحة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وما تشكلانه من تهديد على الدولتين. ثاني هذه الأسباب التي تدفع بتقارب الرياض وتل أبيب يتعلق بالملف النووي الإيراني، على اعتبار أن وصول إيران لحيازة القنبلة النووية سيتحول إلى تهديد مشترك عليهما، قد يكون تهديدا وجوديا، ناقلا عن الجنرال أهارون زئيفي فركش قوله، إنه سبق لطهران أن أجرت تجارب صواريخ باليستية تصل إلى الرياض وتل أبيب، مما يدفع الأخيرتين لتوثيق علاقاتهما الثنائية. وقال إن السبب الثالث يتعلق بسياسة إيران الهادفة إلى فرض طوق حول إسرائيل من خلال قطاع غزة، لبنان، سوريا، وربما من الضفة الغربية، كما أن السعودية بدأت تشعر بآثار هذه السياسة الإيرانية المتمثلة برغبتها بإقامة الطوق ذاته حولها، من خلال اليمن عبر حلفائها الحوثيين، والبحرين، والمليشيات الشيعية في العراق. وختم بالقول: كل هذه العوامل المشتركة شكلت للدولتين، السعودية وإسرائيل، شبكة مصالح مشتركة وتهديدات خطرة عليهما، مما رفع من مستوى التنسيق القائم بينهما. وكانت صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية قد هللت بدورها منذ حوالي شهرين لما وصفته ب "التحالف الجديد" بين السعودية وإسرائيل، معتبرة إياه من قبيل الحفاظ على مصالح الطرفين الذاتية "في ضوء التهديد الذي تشكله إيران عليهما معا". وقالت الصحيفة بافتتاحيتها اليوم الأحد إن تحالفا "مفاجئا" في طور التشكل بين السعودية وإسرائيل بدعم "معنوي ومادي" من الولاياتالمتحدة. وأضافت "غير أن ذلك لا يوحي بأن توافقا أو إصلاحا ديمقراطيا في السعودية بات قاب قوسين أو أدنى، بل يعني أن ثمة إقرارا متزايدا بأن المسالمين من أهل السنة معرضون لخطر التطرف الإسلامي أكثر بكثير من حرص إسرائيل على حب البقاء". ومع انحسار تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، بدا من الجلي الآن أن إيران هي "القوة الأعظم المزعزعة للاستقرار" وفق الصحيفة. ومضت "صنداي تلغراف" إلى القول "إن أي تعاطف من قبل اليساريين مع إيران نفاق سافر. فالنظام (الإيراني) يقمع النساء والأقليات الدينية والشواذ جنسيا". وترى أن "إيران كثيرا ما سعت، في إطار مغامراتها الاستعمارية، إلى أن تخلق دولا عميلة في العراقوسوريا، وهي متهمة بمواصلة مساعيها لإنتاج أسلحة نووية". واعتبرت الصحيفة أن التحالف الجديد بين الرياض وتل أبيب قائم على المصالح الذاتية، ويهدف لاحتواء إيران، وهو "أكبر عملية لتصحيح المسار بالمنطقة منذ حرب العراق، وينبغي على الغرب الترحيب به بحذر". وقد وصف الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية (ناتيف) ياكوف كدمي الاتصالات السرية بين بلاده والمملكة العربية السعودية ب "أكثر من كبيرة وأكثر من عميقة وأكثر من طويلة الأمد وأكثر مما يُكتب عنها"، مبيّناً أن البلدين لديهما "مصالح إستراتيجية مشتركة". وتابع كدمي إن الدولتين تنسقان بشكل سري، مشيراً إلى أن معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك يجب أن تتم "ليس في إطار المباحثات المعلنة ولكن عبر الزيارات السرية". وأضاف أن الاتصالات السعودية-الإسرائيلية "قديمة وكانت قائمة دائماً وستستمر" لافتاً إلى أن "هناك دبلوماسية سرية لمعالجة المسائل التي لا يمكن معالجتها في العلن أو أمام الصحافة والإعلام" ومشيراً إلى أن الدولتين كانتا تعقدان لقاءات على مستوى السفراء في دول محايدة، بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما.