بات تأمين المسار الانتقالي التونسي، والوصول بتونس الى الانتخابات التشريعية والرئاسية، يستوجب ضرورة إيجاد صيغة تضم كل القوى السياسية والمدنية للخروج بالبلاد إلى بر الأمان، في ظل ما تمر به تونس من أحداث تصعيدية، زادها خطاب الاحزاب المعارضة التي شجعت صراحة التحركات الليلية وما يرافقها من أحداث شغب ونهب تفاقما. سعيا منها لإنقاذ تونس من ما قد تنجر عنه الاحداث الراهنة، دعت حركة النهضة في بيان حكومة الوحدة الوطنية لإطلاق حوار وطني اقتصادي واجتماعي تشارك فيه الأحزاب والمنظمات والخبراء ويتم فيه الاستماع لمشاغل المواطنين وتعالج فيه كل القضايا والملفات، وذلك على خلفية التحركات الإحتجاجية التي تشهدها العديد من الجهات. ويهدف هذا الحوار إلى تدقيق الرؤية الاقتصادية والاجتماعية للحكومة لتسريع الانتقال الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة والعادلة على قاعدة الحق الدستوري في التمييز الإيجابي للجهات الداخلية، وفق بلاغ صادر عنها الأربعاء 10 جانفي 2018. وأوصت النهضة بأن "تشارك في هذا الحوار الأحزاب والمنظمات والخبراء وأن يتم فيه الاستماع لمشاغل المواطنين وتعالج فيه كل القضايا والملفات و ينتهي إلى مزيد ضبط وتدقيق الرؤية الاقتصادية والاجتماعية للحكومة لتسريع الانتقال الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة والعادلة". وطالبت الحركة من "الحكومة المبادرة بالاجتماع بالأحزاب والمنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج لدراسة الوضع وإيجاد الحلول والإجراءات الضرورية للتفاعل مع المطالب الاجتماعية الملحة للتونسيين وخاصة منهم الفئات الهشة والضعيفة وعديمي الدخل والعائلات المعوزة لحماية قدرتهم الشرائية وحفظ كرامتهم وتقديم الدعم والمساعدة لمستحقيهما ". كما دعت الحكومة إلى مزيد تشديد الرقابة والضرب بقوة لمسالك الاحتكار والتهريب، وتأمين حاجة المواطنين من المواد الاستهلاكية الضرورية بعيدا عن التلاعب بالأسعار والزيادات المشطة، حسب نص البلاغ. وأكدت النهضة على "ضرورة التمييز بين شرعية التحرك الاجتماعي الذي كفله دستور الثورة وتنظمه القوانين، وحق المواطنين في التعبير عن عدم رضاهم على بعض سياسات أو قرارات الحكومة، وبين أعمال الفوضى والتخريب". واعتبرت النهضة "بعض مظاهر الفوضى والتخريب أعمالا اختلطت فيها السياسة بالعنف والاجرام، تستدعي تطبيق القانون على مرتكبيها"، ونددت "بما تعبّر عنه بعض الأطراف السياسية من خطاب سياسوي وتحريضي، عنيف ودموي، ينمّ عن أصل بنيتها الفكرية الفوضوية وما تختزنه من أفكار تدعو إلى تقسيم التونسيين بين حداثي ومعادي للحداثة، بدل وحدتهم وإلى العنف بدل الحوار. وثمنت الحركة في ذات البلاغ موقف الاتحاد العام التونسي للشغل في التمييز بين التظاهر والتحرك الاجتماعي السلمي وبين ما تقوم به العصابات من أعمال عنف وفوضى وتخريب. كما تؤكد حركة النهضة اشتراكها مع الاتحاد العام التونسي للشغل في المطالبة بالتفعيل الفوري لقرار الترفيع في المنحة المخصصة للعائلات المعوزة واتخاذ إجراءات استثنائية لفائدة عمال الحضائر والترفيع في الأجر الأدنى، حسب نص البلاغ. ودعت الى التهدئة والتعقل وتغليب المصلحة الوطنية وعدم الانجرار إلى أجندة الفوضى وتهديد الاستقرار. يذكر أن أطراف الحوار الوطني أنذاك في إقناع الفرقاء السياسيين بالجلوس إلى طاولة الحوار والتفاهم على أرضية سياسية مشتركة تمكن تونس من تجاوز المحن والدخول في مرحلة انتقالية وفق أسس وقواعد سياسية واضحة، ومكنت تونس من أن تنجح في عملية الانتقال الديمقراطي بعد سلسلة من الاغتيالات والاضطرابات الاجتماعية. وتتشكل الوساطة الرباعية، من "الاتحاد العام التونسي للشغل" وأمينه العام حسين عباسي، و"الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" ورئيسته وداد بوشماوي، و"الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين" وعميدها محمد الفاضل محفوظ، و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" ورئيسها عبد الستار بن موسى. وتقديرا لمجهوداتهم ومساهمتهم الحاسمة في بناء ديمقراطية متعددة بعد الثورة ، أعلنت لجنة نوبل النروجية منح جائزة نوبل للسلام للعام 2015 للمنظمات الأربع. ولا يُستبعد أن تتكرر تجربة الحوار الوطني خاصة في علاقة بموقفي منظمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل من التحركات الاخيرة اللذان يحاولان تطويق الاحتجاجات وتهدئة الأوضاع. هذا وأدان الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كل أشكال التخريب والنهب والاعتداء على الممتلكات الخاصة والمرافق العمومية وعلى قوات الأمن ومقراتها التي رافقت الاحتجاجات التي شهدها عدد من ولايات الجمهورية خلال الايام الثلاث الاخيرة. واكدت المنظمة "استعدادها الكامل للمساهمة في البحث عن حلول عملية لكل القضايا الوطنية الراهنة" . هذا وغلبت على موقف الاتحاد العام التونسي للشغل ، الذي عوّدنا بأسبقيته في الاحتجاج وتنظيم الاعتصامات، الرصانة ، حيث خيّر المصلحة الوطنية ومواجهة المسألة بتعقّل دون التوجه الى الشعبوية وتأجيج الشوارع وخلق الفوضى على غرار ما سارعت إليه ثلة من الأطراف السياسية التي تستغلّ الأوضاع الاجتماعية لخدمة مصالحها السياسية. ولئن استنكرت المركزية النقابية الزيادات التي أقرّها قانون المالية لسنة 2018، في بيان صادر عن مكتبها التنفيذي الوطني، لكنه لم يدع إلى التحرك والاحتجاج. في هذا الشأن، اكد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي الثلاثاء 9 جانفي 2018، أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية والبطون خاوية لكن ذلك ليس باللجوء الى التخريب باسم الديمقراطية كذلك.