لعلّ من الثابت اليوم أن من أبرز أنواع الدعم الذي تلقته تونس بعد الثورة هو الدعم التركي والقطري، حيث ما فتئت كلّ من دولتي تركياوقطر تساندان الانتقال الديمقراطي في تونس سياسياً ، فضلا عن إمدادها بالعون على جلّ الأصعدة ؛ إقتصاديّا، أمنيّا ، عسكريّا.. و رغم الرّفض "القاطع" لعدد من الأطراف السياسية للعلاقات الوطيدة التي تربط بين تونس وكلّ من تركياوقطر ودعواتهم المستمرة إلى "تحجيم" التعامل معهما وذلك لاعتبارات إديولوجية إقصائية بحتة، فإن ذلك لم يعكّر صفو العلاقة التي تجمع تونس بهما ؛ إذ اتّسمت العلاقات التونسيةالقطرية والتركية خلال السنوات الاخيرة بتقارب كبير، وذلك بتعزيز التعاون والشراكة في كافة المجالات، سواء على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية، أو على مستوى تقارب المواقف فيما يتعلق بالملفات الدولية والإقليمية. فعلى المستوى الثنائي تعد العلاقات بين تونس وكلّ من قطروتركيا نموذجا للعلاقات الأخوية المتينة، وقد تطورت هذه العلاقات بشكل كبير خلال السنوات الماضية، سيّما عقب المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد والاستثمار الذي احتضنته تونس في 29 و30 نوفمبر 2016 ، والذي أثبتت خلاله تركياوقطر استعدادهما للأخذ بإزر تونس في محنتها الاقتصادية من خلال ضخّ المساندات الاقتصادية والاستثمارية لإخراجها من عنق الزجاجة. وفي خضم هذا الشأن، استقبل كاتب الدولة للهجرة والتونسيين بالخارج عادل الجربوعي، الاثنين 15 جانفي الجاري بمقر وزارة الشؤون الاجتماعية، سفير دولة قطربتونس سعد بن ناصر الحميدي. وكان اللقاء مناسبة لاستعراض برامج التعاون الثنائي بين البلدين. وأعرب السفير القطري عن سعي بلاده لتوفير فرص عمل أكثر للتونسيين من الكفاءات واليد العاملة وذلك استجابة لحاجيات سوق الشغل بقطر ومساهمة في التخفيض من البطالة في تونس. وأكد كاتب الدولة على أهمية مواصلة انتداب أصحاب الشهائد العليا لا سيما في مجال التربية والتعليم واليد العاملة الكفأة في مجالات السياحة والبنية التحتية والنقل البحري والجوي. كما عبر عن عزم تونس فتح مركز ثقافي تونسي بالدوحة وعبر السفير القطري عن ترحيبه بهذه المبادرة. وخلال الأيام القليلة الماضية، كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد قد اتصل برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين والسبل الكفيلة بدعمها وتطويرها، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء القطرية. يأتي ذلك تزامنا مع الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها تونس تنديدا بالزيادات في أسعار مختلف المواد بناء على ما نص عليه قانون المالية ل2018 . كما أفادت الوكالة أنه جرت خلال الاتصال كذلك مناقشة آخر المستجدات إقليميا ودوليا، والقضايا ذات الاهتمام المشترك. من جانب آخر تواصل تركيا تقديم يد العون إلى تونس، فعلاوة على المساندات التي حملها الرئيس التركي خلال زيارته إلى تونس في موفى 2017 ، فقد أكد السفير التركي بتونس عمر فاروق دوغان ، الاثنين 15 جانفي 2018، أن هناك بنكا تركيا خصص تمويلات ب20 مليون دولار من أجل الاستثمار المشترك التونسي التركي في تونس نظرا لأهمية قطاع النسيج في دفع الاقتصاد والتصدير، وذلك بهدف إرجاع تونس الممول الخامس للاتحاد الأوروربي في قطاع النسيج، وهو ما سيوفّر 20 ألف موطن شغل إضافي. وأضاف السفير التركي، على هامش منتدى التعاون القطاعي للنسيج والإكساء بين تونسوتركيا، أن بلاده لا تريد أن تكون سبب في خسارة تجارية لتونس. وتابع عمر فاروق دوغان، أن أنقرة شريك استراتيجي لتونس من أجل الرفع من الصادرات التونسية في العالم. جدير بالذكر أن الرئيس التركي أدى زيارة إلى تونس في 27 ديسمبر 2017 في إطار جولة قام بها إلى عدد من الدول الإفريقية لمزيد تعزيز العلاقات التركية معها. وجاءت زيارة اردوغان إلى تونس في توقيت مهم وحساس على أكثر من صعيد، أهمها الظروف الإقليمية والدولية، ومستوى العلاقة والتعاون بين البلدين، خصوصاً مع انعدام توازن المبادلات التجارية بين البلدين لصالح الجانب التركي في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها تونس، وتباين حزبي تونسي بشأن العلاقات الاقتصادية مع تركيا. وعبر رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ، على هامش لقائه بإردوغان، عن ارتياحه للتقارب الواضح بين البلدين في أكثر من ملف، مؤكداً أنه سيقوم بزيارة مماثلة إلى تركيا، ما يعكس رفع اللبس عن أكثر من موضوع ورغبة واضحة في الرفع من مستوى التعاون، وليس التراجع عنه كما تدعو بعض الأحزاب. ومن جانبه، بدا اردوغان واضحا بشأن دعم بلاده للتجربة الديمقراطية في تونس "الملهمة للمنطقة"، على حد وصفه، مؤكداً أن المسؤولين في البلدين سيبحثون كل ما من شأنه أن يحقق التوازن المنتظر، ودعم التجربة التونسية في حربها على الإرهاب وتحقيق النمو الاقتصادي. ووقع الطرفان اتفاقيات مالية وعسكرية، تمثل أولوية تونسية عاجلة، بالإضافة إلى التأكيد على تطابق وجهات النظر في أكثر من ملف دولي، أهمها القدس وليبيا. ومن جهته، كان السفير التركي في تونس عمر فاروق دوغان، قد أكد أن تونس هي بوابة تركيا نحو أفريقيا، ومن أكبر شركائها الاستراتيجيين، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين هي علاقات تاريخية لا تقتصر على التبادل التجاري والجانب الاقتصادي، وأن المستثمرين الأتراك يعتزمون تعزيز استثماراتهم في تونس. وأضاف أن تركيا تعمل على عدد من الإجراءات من أجل دعم الصادرات التونسية باتجاه تركيا خاصة في المواد الفلاحية والمنجمية، كما تعمل على تشجيع المؤسسات التركية والمستثمرين الأتراك للعودة إلى السوق التونسية والاستثمار في تونس على غرار مشروع يعنى بإيجاد وحدات لتحويل الفسفاط إلى أسمدة. وأشار السفير إلى أن المستثمرين يعتزمون الاستثمار في تونس، وأن هناك مشروعا في طور الدراسة بين تركياواليابانوتونس فيما يخص تصدير زيت الزيتون إلى اليابان مرورا بتركيا، على أن يكون الإنتاج تونسيا والتعليب في تركيا. واستعرض السفير الاستثمارات التركية في تونس، ومنها اختيار البريد التركي تونس قاعدة للشحن الجوي لكامل القارة الإفريقية انطلاقا من مطار النفيضة باعتبار أن تركيا تستقبل ما يناهز ال 300 ألف طن من الشحنات من الصين فقط لتوزيعها على كامل أوروبا وباعتبار الموقع الاستراتيجي لتونس ستكون هي المركز الذي ستمر به كل هذه الشحنات، وتم توقيع هذا الاتفاق مع وزارة تكنولوجيات. وقال دوغان إن الاستثمارات التركية التي تم الإعلان عنها في الندوة الدولية للاستثمار "تونس 2020" قد تم في الأغلب تفعيلها واستفادت منها تونس، من بينها ال100 مليون دولار التي منحتها لتمويل المشروع المعروض، كما أن تركيا دعمت وساندت تونس ماديا في العديد من المجالات منذ سنة 2011 حيث بلغت قيمة هذه التمويلات مباشرة بعد الثورة ما يناهز ال 500 مليون دولار؛ منها 200 مليون دولار وجهت لدعم الأمن واستقرار البلاد و100 مليون دولار منحتها تركيالتونس في شكل هبات، و50 مليون دولار في شكل تمويلات نقدية منحت للحكومة، إلى جانب ذلك خصصت 50 مليون دولار لإنجاز مشاريع موجهة للإنتاج، فضلا عن المع والتجهيزات التي أسندت إلى البلديات وعدد من الوزارات التونسية والمخابر الصيدلية والطبية وفي حدود ال 55 مليون دولار تمويلات فقط في السنتين الأخيرتين.