بدأت الأحزاب التونسية عمليا استعداداتها للتنافس في الانتخابات البلدية المقررة في ماي القادم،ووجهت جل الأحزاب تقريبا بوصلتها نحو شهر ماي المقبل الذي سيشهد إجراء أول انتخابات بلدية في البلاد منذ سقوط النظام السابق في سنة 2017. و عرفت الساحة الوطنية في الاونة الاخيرة تحولات جوهرية و جذريّة، عمقت طبيعة العمل الحزبي و السياسي في تونس وزادت من وتيرة التوقعات بحدوث هزات اجتماعية مقبلة في واقع سياسي غير مستقر، طغى فيه عنصر المفاجئة و السرعة، وأطلقت هذه التطورات المتلاحقة فرصة للحديث عن الخيارات المفتوحة للتعامل مع هذا الوضع المتسم بالضبابية والتوتر في المشهد السياسي والاجتماعي على حد سواء . و بحسب ما نقلته مصادر اعلامية فان المواقف السياسية الأخيرة للاحزاب التونسية كشفت حجم إعادة التموضع ومحاولة ربح الوقت قبل الانتخابات، والتنصل من فاتورة الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى المشاركة الحكومية. و انتقلت الاحزاب في تونس من صفوف الحكم الى "سفينة المعارضة" قبيل اسابيع من الاستحقاق البلدي، على غرار الحزب الجمهوري وآفاق تونس وصولا إلى مشروع تونس، الذي أعلن الخميس رسمياً، خروجه من الوثيقة. هذا بالإضافة إلى إعلان نداء تونس فك ارتباطه مع حركة النهضة، مع ما توقعه كثر من استعادة خطاب الاستقطاب الأيديولوجي خلال هذه المعركة وتبادل الاتهام المنتظر بخصوص فاتورة الإخفاقات الاقتصادية الكبيرة التي أجّجت الشارع التونسي، وقادت الى احتجاجات واسعة بسبب غلاء الأسعار والبطالة وغياب التنمية. ويشير مراقبون الى وجود التباس واضح في مفهوم المعارضة التونسية في ظل قيام بعض أحزاب الائتلاف الحاكم بالاعتراض على بعض القرارات الحكومية المُلزمة أساساً بالدفاع عنها، فضلاً عن لجوء عدد من أحزاب المعارضة لمساندة بعض المواقف الحكومية حول عدد من القضايا المثيرة للجدل في البلاد. وينقسم أحزاب المعارضة الى ثلاث أصناف قابلة للمراجعة، وهي أحزاب "النّصف معارضة"، التي تتموقع بين منزلتي المعارضة والحكومة، والتي لم تحسم موقفها إما مساندة للحكومة وخياراتها، أو معارضة لسياساتها، فيسيل لعابها عند التّفكير في المناصب أو عند التفكير في إجراء تعديل حكومي قد يشملهم، لكن سرعان ما يعودون إلى رشدهم عندما لا يجدون لهم مكانا فيها. وأحزاب أخرى اختلطت عليها المفاهيم فلم تعد تفرّق بين معارضة الحكومة ومعارضة الدولة، ولم تعد تهتم لمصلحة البلاد بقدر سعيها لتحقيق مصالحها السياسوية الحزبية الضيقة، أو محاولة ايجاد موقع لها يمكنها من تجميع أكبر عدد ممكن من الاصوات، بتعلة دفاعها عن الفقراء والمعدمين، ومن ظلمتهم سياسات الدولة التنموية وصنف ثالث من الاحزاب ظل مشتة متشرذما بين التحالفات والجبهات يبحث لنفسه عن موطئ قدم في ائتلاف حزبي يضمه اليه، لينضم اليه، ويمارس معارضته من داخله. ونشرت منظمة مجموعة الأزمات الدولية (منظمة دولية غير ربحية يقوم دورها في منع حدوث وتسوية النزاعات الدموية حول العالم من خلال دراسات ميدانية وإقتراح حلول) واعتبرت المنظمة في تقريرها أن تونس تشهد في الذكرى السابعة لثورة 14 جانفي 2011 مخاطر الإستقطاب السياسي وحنينا للحكم المركزي السلطوي ، وعلى تونس حتى تستكمل إنتقالها الديمقراطي وهو الوحيد الذي نجح نسبيا في المنطقة العربية أن تتبع مجموعة من الخطوات من بينها إسراع الإئتلاف الحاكم في المضي في الإصلاحات السياسية وإنشاء محكمة دستورية وعقد إنتخابات محلية بعد أن تأجلت في أكثر من مناسبة. و يرى مراقبون ان الاحزاب الصغرى الناشئة حديثا كانت لها يد في عودة الاستقطاب ، خاصة و انها حينما تقدم نفسها للجمهور لا تعرّفُ بنفسها من خلال تاريخها النضالي او برنامجها المستقبلي بل من خلال تموقعها كبديل او حليف او معارض موارية بذلك عجز برنامجها او الفكرة المقدمة و حدث هذا تحديدا مع حزب تونس أولا الذي ركزت قياداته في الندوة لصحفية التي خصصت للإعلان الرسمي للحزب ، عن مناهضتهم للنهضة و النداء اكثر من حديثهم عن برنامج الحزب و عن أهدافه .