أيّ مستقبل ل «الترويكا» وأي أفق لهذا الائتلاف الحاكم اليوم... هل هو جبهة انتخابية هدفها البقاء في السلطة أم هو تحالف مؤقت لا تحكمه إيديولوجيا بل مصلحة ظرفية؟ أطراف في «الترويكا» ومحلّلون يجيبون. وقّع رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي وأمين عام حزب التكتل مصطفى بن جعفر وأمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المنصف المرزوقي عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011 اتفاقا تمّ بموجبه توزيع الرئاسات الثلاث ووضع تصوّر مشترك للمرحلة الانتقالية الحالية وبرنامج اقتصادي واجتماعي لمواجهة تحديات المرحلة. ورأى مراقبون أنّ هذا الائتلاف ليس حزبيا (فقد دخل كل حزب الانتخابات بصفة منفردة وليس في نطاق جبهة) وليس إيديولوجيا (فهو يجمع عائلات سياسية وفكرية مختلفة) بل هو ائتلاف سياسي اقتضته المرحلة. لكنّ بعض الأصوات في المؤتمر وخصوصا في التكتّل عبّرت عن امتعاضها من هذا المسار الذي اتخذه الحزبان بالتحالف مع حركة «النهضة».. ويشهد المؤتمر والتكتل منذ ذلك الحين حالة من عدم الاستقرار حيث تعدّدت الاستقالات وظهرت بوادر الانقسام في أكثر من مناسبة. ترتيب البيت أولى وخلال انعقاد المجلس الوطني الأخير لحزب التكتل الأحد الماضي أقرّ أمين عام الحزب مصطفى بن جعفر بأنّ البيت الداخلي ل «التكتل» في حاجة إلى الترتيب قبل التفكير في أي تحالفات حزبية، لكنه وصف الائتلاف مع «النهضة» والمؤتمر بالموقف «الجريء الذي أخذ في الاعتبار أساسا المصلحة الوطنية في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي والوفاء لمبادئ الثورة فضلا عن العمل من أجل أن تتجاوز الظرف الاستثنائي الذي تمرّ به». من جانبه اعتبر الناطق الرسمي للتكتل محمّد بنور أنّ «الترويكا» ائتلاف حكومي وليس ائتلافا حزبيا، فلكل حزب برامجه موضحا أن الائتلاف جاء لأن الوضع التي أعقب الانتخابات والمرحلة الحالية لا تحتمل استقطابا ثنائيا ولا تحتمل الصراعات والتوتّر وبالتالي كان لا بدّ من المرور بفترة توافق لوضع البلاد على السكّة». وأضاف بنور أنّ «الوضع الاقتصادي والاجتماعي كذلك يفرض أن تضع كل الأطراف اليد في اليد مشيرا إلى أن البرامج تختلف بين هذه الأحزاب لكنها تلتقي في برنامج حكومي وضعته «الترويكا» وذكرت فيه أولويات المرحلة وتم التوافق عليه وعلى أن تمرّ الفترة الانتقالية بالتوافق. وأوضح بنور أنّه في الانتخابات القادمة سيدخل كلّ طرف بصفة منفردة وأنه من السابق لأوانه أن نقول كيف ستتصرف الأحزاب بعد الانتخابات القادمة لأن التصرف يكون على أساس واقع سياسي. وأشار الناطق الرسمي باسم التكتل إلى أنّ عدة أحزاب في المعارضة اليوم تسعى إلى الدخول في الائتلاف الحكومي من خلال دعوتها إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني وأنّ بعضا من الأحزاب التي تدعو اليوم إلى هذه الخطوة دعت في السابق إلى تشكيل حكومة إنقاذ في عهد بن علي. وأكّد بنور أنّ المراقبين والمحللين في العالم يعتبرون أنّ تونس هي البلاد الوحيدة من بين البلدان التي شهدت ثورات التي تشهد انتقالا ديمقراطيا ويتميز فيها الوضع بالعقلانية وأنّ العنصر الأساسي في ذلك هو الائتلاف الذي حصل (الترويكا). وتابع بنور قائلا «يجب أن نمضي في هذا التوافق وأن تمر هذه المرحلة بسلام حتى موعد الانتخابات القادمة، فإذا أفرزت الانتخابات القادمة خارطة سياسية معتدلة يمكن القول إن الثورة في تونس قد نجحت». الاستمرارية صعبة؟ ورأى عضو المجلس التأسيسي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أزاد بادي أنه من الصعب أن يستمر الائتلاف الحاكم خلال مرحلة ما بعد الانتخابات القادمة موضحا أن الاتفاق كان حول أهداف المرحلة الانتقالية وأن هناك اختلافات كبيرة خصوصا بين «النهضة» والمؤتمر في ما يتعلق بنظام الدولة وفتح بعض الملفات الدقيقة. وأكد بادي أن «الخلافات ستظهر أكثر خلال صياغة الدستور باعتبار الخلاف في البرامج» لكنه أشار إلى أنّ «هناك تقاربا كبيرا مع التكتل يجعل من الممكن أن يحصل التحالف بينه وبين المؤتمر في المرحلة القادمة، أمّا مع النهضة فالأمر مختلف». واعتبر بادي أنّ الحديث عن استمرار هذا الائتلاف سابق لأوانه كما أنه يمثل تشخيصا غير دقيق لطبيعة المرحلة لأن الائتلاف والحكم في المرحلة الانتقالية ليس كالائتلاف خلال المرحلة التي تلي الانتخابات القادمة. «النهضة» متفائلة وتأمل في توسيع التحالف وقال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة العجمي الوريمي من جانبه إن الحديث عن الانتخابات القادمة وعن شكل التحالفات لا يزال مبكرا والمشهد السياسي متغير والساحة السياسية تتأرجح بين التكتل في أقطاب سياسية وإيديولوجية وبين التشرذم، حيث نسمع يوما عن تجمع أحزاب ويوما عن استقالة جماعية ونسمع أيضا عن كتل تتشظّى وهذه طبيعة المرحلة. واعتبر الوريمي الدخول في ائتلاف «الترويكا» كان خيار الأحزاب الثلاثة وليس خيار حزب واحد وكانت الأطراف الثلاثة مقتنعة بالعمل الجماعي وبضرورة إنجاح المسار بتوافق وبتضامن وبعمل موحّد داخل الحكومة وداخل المجلس التأسيسي ولم تنشأ حتى الآن أي أزمة في الائتلاف سواء داخل الحكومة أو داخل المجلس. وذهب الوريمي إلى القول إنّ التيار الغالب داخل حليفي «النهضة» هو العامل على تطوير الائتلاف إلى تحالف استراتيجي قد يتوسّع ليشمل أطرافا أخرى من الوسط ووسط اليسار أو أطرافا أخرى محافظة أو أطرافا قريبة من النهضة أو من التكتل أو من المؤتمر أو منها جميعا، مؤكّدا أن «ما يجمع الترويكا أكثر مما يفرّقها» وأشار القيادي في «النهضة» إلى ضرورة عقد لقاءات دورية للتشاور بين أحزاب الترويكا وأن يكون التنسيق على المستوى المركزي وعلى مستوى الجهات، معتبرا أن «التجربة أثبتت أن الترويكا قد تكون ضمانة للاستقرار ولنجاح المسار».