رغم استمرار هشاشة الوضع الخارجي والماليّة العمومية، خطت تونس خطواتها الأولى نحو التعافي الاقتصادي، وبدأت بعض المؤشرات الايجابية تبدد مخاوف البلاد من أزمة اقتصادية قد تصل حد الافلاس. فالاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس تطورت خلال كامل سنة 2017 بنسبة 8ر12 بالمائة لتبلغ ما قيمته 4ر2244 مليون دينار (م د) مقابل 3ر1989 م د في 2016، وأظهرت الحصيلة الأولية لنمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة أن استثمارات الحافظة المالية سجلت تطورا لافتا بلغ 3ر32 بالمائة ليصل إلى 2ر116 م د مقابل 8ر87 م د في 2016 وبالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنة الفارطة فقد سجلت تطورا ناهز 12 بالمائة لتتدفق على البلاد استثمارات خارجية بقيمتها 2ر2128 م د مقابل 4ر1901 م د في السنة التي سبقتها. ووفق البيانات الإحصائية الصادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي فان قطاع الصناعات المعملية استقطب استثمارات أجنبية في 2017 بقيمة 3ر974 م د بنمو بنسبة 6ر21 بالمائة بالمقارنة مع 2016 (5ر801 م د). وصرح مدير الإحاطة ومتابعة المؤسسات الأجنبية بالوكالة حاتم السوسي لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، بأن تطور قطاع الصناعات المعملية يعزى بالأساس إلى حركية قطاعات الالكترونيك والأسلاك الكهربائية وأساسا مكونات السيارات ومكونات الطائرات التي لها طلبيات خارجية إلى حدود 10 سنوات القادمة، أما الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة عرفت تطورا ضعيفا استقر على 7ر1 بالمائة لتبلغ 810 م د مقابل 4ر796 د في 2016 وأرجع المتحدث هذا النمو البسيط إلى وضع القطاع في تونس في السنوات القليلة الماضية وما شهده من إضطرابات وتحركات إحتجاجية علاوة على تراجع رخص الإستكشاف والتطوير في حقول النفط في تونس بما أثر نسبيا على تدفق الإستثمارات الأجنبية. هذا واستقطب قطاع الخدمات خلال العام الماضي ما قيمته 3ر318 م د مقابل 7ر281 م د في 2016 بنمو ب 13 بالمائة، بينما لم يستقطب القطاع الفلاحي المستثمرين الأجانب بالشكل المطلوب إذ بلغت قيمة الإستثمارات خلال كامل سنة 2017 سوى 6ر25 م د مقابل 9ر21 م د في سنة 2016 وفي هذا الإطار يؤكد حاتم السوسي أن الإستثمارات الأجنبية في القطاع الفلاحي تعد نوعية وتستهدف القيمة المضافة العالية والمراهنة على القطاعات الواعدة على غرار الإستثمار في البيوت المكيفة وخاصة إستغلال المياه الجوفية الحرارية لإنتاج الخضر والغلال البدرية ما يسنح بتصديرها إلى الخارج. واستأثر إقليم تونس الكبرى (يضم 4 محافظات هي تونس وبن عروس وأريانة ومنوبة) بالنصيب الأكبر من قيمة الاستثمارات (58 بالمائة) بنحو 774 م د منها 5ر364 م د في تونس العاصمة. بينما مثل نصيب إقليم الشمال الغربي 19 بالمائة ليستقطب في كامل 2017 ما قيمته 4ر259 م د. ومن جهة أخرى حافظت فرنسا على مركزها الريادي كأول دولة أجنبية مستثمرة في تونس حيث بلغت إستثماراتها في العام الفارط (دون إحتساب قطاع الطاقة) ما قيمته 1ر585 م د أي 45 بالمائة من القيمة الإجمالية للإستثمارات الأجنبية المباشرة. وجاءت ألمانيا في المرتبة الثانية بإستثمارات بقيمة 7ر136 م د ثم ايطاليا ب 6ر97 م د (دون إحتساب قطاع الطاقة). وتطمح تونس في 2018 وفق وثيقة الميزان الاقتصادي إلى تعبئة حوالي 3351 مليون دينار إستثمارات أجنبية مباشرة.وكانت تونس قد أقرت جملة من الاجراءات تضمنها قانون الاستثمار الجديد، والذي يمنح تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب والمحليين. وينص قانون الاستثمار على تكريس مبدأ حرية الاستثمار من خلال حذف عدة تراخيص تتعلق بالنشاط الاقتصادي وإحالة إسناد التراخيص وضبط آجال إسنادها وإقرار ضرورة تعليل الرفض واعتبار عدم رد الإدارة على طلبات المستثمرين بعد انتهاء الآجال موافقة آلية، بالإضافة إلى مراجعة كراسات الشروط وتبسيط الإجراءات الإدارية لفائدة المستثمر. كما أقر حوافز مادية للاستثمارات التي تستهدف مناطق التنمية الجهوية ومنحة القطاع الفلاحي والصيد البحري تراوح من 15% للمشاريع الكبرى والمتوسطة إلى 30% للمشاريع الصغرى مع سقف بمليون دينار، بالإضافة إلى منحة خصوصية بعنوان الاستثمارات المادية للتحكم في التكنولوجيا الحديثة والمقدرة ب 55% من كلفة الاستثمارات. وتطمح تونس إلى تحقيق نسبة نمو ب3 بالمائة في 2018 مقابل 2.2 بالمائة منتظرة لكامل سنة 2017 على أن يكون نموا إدماجيا يمكن من توزيع عادل للثروة وخلق المزيد من مواطن الشغل.