لم يمنع اختلاف الخلفيات الفكرية لكلّ من الحزب الدستوري الحر ، المعروف عنه ب"الليبرالي" و"الحداثي" ، وحزب التحرير الذي يلقّب ب"الرجعي" و "الإسلامي المتشدد" ، من الاجتماع حول مطلبية لا تضيف إلى المسار الانتقالي للبلاد شيئا بل وتعود به أشواطا إلى الوراء ألا وهي إلغاء دستور 2014 وإعداد دستور جديد. ولئن اختلفت ظرفيات طرح المسألة في الواجهة ، فإن تداعياتها -إن نفّت على أرض الواقع- ستكون متطابقة إلى حدّ ما وهي العودة بالبلاد إلى النقطة الصّفر. و كانت عبير موسي ، الأمينة العامة للحزب الدستوري الحر، قد أقرت يوم 14 جانفي 2018 الذي يتزامن مع الذكرى السابعة لثورة الحرية والكرامة، أنها لا تعترف بالدستور المنبثق عن المجلس التأسيسي وأن حزبها بصدد إعداد دستور مغاير سيكون جاهزا خلال شهر مارس 2018، وفق قولها. وسبق لحزب التحرير أن قدم قبل سنوات "دستور دولة الخلافة" الذي قال إنه "مشروع بديل لتونس لبناء دولة إسلامية تسعى إلى تحقيق الرفاه للجميع اسنادا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية"، كما قام أنصاره لاحقا بتمزيق نسخ من الدستور الحالي، مستنكرين "تغييب الشريعة من الدستور الذي كتب تحت ضغوط ووصاية غربية". وفي تعليقه على ذلك، قال الباحث السياسي عبد اللطيف الحنّاشي ، في تصريح للقدس العربي، أن "صدور هذه الدعوات المطالبة بوضع دستور جديد في الوقت الحالي هو أمر طبيعي من ناحيتين، الأولى هو أننا نعيش في ظل نظام ديمقراطي يتيح للجميع التعبير عن رأيهم، والثانية هي أن هذه الدعوات صادرة من طرفين لا يؤمنان أساسا لا بالدستور بفصوله المختلفة ولا بالجمهورية الثانية ولا بالتحولات التي وقعت منذ ثورة2011". و أضاف الحناشي في الصدد ذاته أنه "يبدو أن الطرفين استغلا الوضع الذي تعيشه البلاد أي عدم قدرة النخبة السياسية على تحقيق الشعارات ومطالب الثورة، خاصة المطالب الاجتماعية والاقتصادية ووجود البلاد في أزمة مركبة وخاصة في هذه الفترة التي عرفت زيادة نشطة في أسعار المواد الغذائية وغيرها وأيضا الاحتجاجات الاجتماعية التي بدأت منذ بداية شهر جانفي". كما نوه بأن «هذا طلب تعديل الدستور طُرح من عدة أطراف أخرى لكن يبدو أن الحزب الدستوري وحزب التحرير كانا أكثر جرأة ولم يخجلا من طرح هذا الأم". ولفت الحناشي إلى أن " هذا يبدو أمرا طبيعيا ولكن لا قيمة له عمليا باعتبار الانجازات التي جاءت بعد الثورة، ووجود حراس لهذه الإنجازات التي تمثل أرضية مستقبلية لتحقيق شعارات الثورة، عموما تونس ما زالت تمر بفترة انتقالية وهذه الأزمة لن تكون أزلية بل ستعالج في القريب العاجل لأن الأمر مرتبط كذلك بالمحيط الإقليمي وغيره.