وزارة التجهيز تعلن عن تحويل ظرفي في حركة المرور بالنسبة إلى مستعملي الطريق الجهوية رقم 22 في اتجاه المروج والحمامات    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    فرق متنقلة للهيئة الوطنية للسلامة الصحية لمراقبة المحلات ذات الاستهلاك المكثف ضمن برنامج السلامة الغذائية لرأس السنة 2026    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    عاجل/ بعد مقتل محمد الحداد: من هو رئيس هيئة أركان الجيش الليبي الجديد؟..    عاجل-رسمياً: هذه هي الحالة الصحية للاعب حازم المستوري    البرازيلي رافينيا ألكانتارا يعلن اعتزاله    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستغني عن خدمات آخر الإنتدابات    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    رد بالك: حيلة جديدة تسرّق واتساب متاعك بلا ما تحسّ!    علاء الدين بوشاعة رئيسا جديدا للمستقبل الرياضي بقابس    تأجيل محاكمة الشاهد وبن غربية    قضية الغرفة السوداء بوزارة الداخلية..آخر المستجدات..#خبر_عاجل    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    ندوة علمية بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على الغطاء النباتي والحيواني" يوم 27 ديسمبر الجاري على هامش المهرجان الدولي للصحراء    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    الحماية المدنية :425 تدخّلا خلال ال 24 ساعة الماضية    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    كلّ الفرضيات مطروحة بشأن تحطّم الطائرة الليبية    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    وفاة المؤلف والممثل المصري طارق الأمير عن عمر 60 سنة    راس السنة : جورج وسوف بش يكون موجود في هذه السهرية    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    طقس الويكاند: مطر وبرد    سر صحي في حبات التمر... تعرف عليه    مشروع "قانون الفنان"، يطبخ على نار هادئة    اتحاد المعارضة النقابية: استقالة الطبوبي ليست نهائية ولم تكن مفاجئة    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    كأس أمم افريقيا (المغرب 2025: تونس-اوغندا 3-1): تصريحات ما بعد المباراة..    اليوم: الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل يحتجون    روسيا تعلن إسقاط مسيّرات متجهة إلى موسكو    الذهب فوق 4500 دولار للمرة الأولى.. والفضة تصعد إلى مستويات قياسية    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    اشتباكات بين الجيش الأردني ومجموعات مسلحة على الحدود مع سوريا    انفجار في دار لرعاية المسنين في ولاية بنسلفانيا الأمريكية والنار تحاصر المقيمين    اللجنة العليا للإنتاج الخاص للكهرباء توافق على إنجاز مشاريع لإنتاج الطاقة باعتماد الطاقات المتجددة بعدد من جهات البلاد    الشركة التونسية للملاحة تدخل تعديلا على برمجة السفينتين "قرطاج" و"تانيت"..وهذه التفاصيل..    قابس: حادث مرور يخلف حالتي وفاة واصابات    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    في تطاوين: اشكاليات الكتابة المسرحية في تونس    بتعريفة استثنائية "9 دنانير فقط": لا تفوتوا الفرجة في الفيلم الحدث "صاحبك راجل2"..التفاصيل..    إحباط توريد 9 كلغ من المخدرات بمطار تونس قرطاج    القصبة : وفاة أب أثناء مراسم زواج ابنه    الطقس اليوم شتوي مع أمطار غزيرة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    رقم مفرح: هذا عدد السياح الذين زارو تونس منذ بداية 2025..    عاجل/ تحذيرات عالمية من متحور جديد للانفلونزا..    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    عاجل/ بسبب "القريب": وزارة الصحة توجه نداء هام للمواطنين..    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرث بورقيبة في المزاد.. والنهضة "تتجمّل" للانتخابات!
ملف الأسبوعي - "زلزال" المنستير "يرّج" مونبليزير

- راشد الغنوشي بثقله في أسبوع حسم المسار ! - الأسبوع المنقضي كان أسبوعا حاسما في المسار السياسي لحركة النهضة، بحيث رأى الكثير من المتتبعين للشأن العام أن الحضور اللافت لزعيم الحركة راشد الغنوشي بعدة تصريحات وعلى أكثر من منبر سحبت البساط من تحت أقدام «الطامحين» لإرباك النهضة، وغيرت دفة الأحداث في المشهد السياسي التونسي..
ونعود إلى بداية الأسبوع المنصرم حيث أعلنت حركة النهضة تمسّكها بالفصل الأوّل لدستور 59.. قرار نزع فتيل الجدال المحتدم والذي بلغت تداعياته الشارع التونسي الذي انقسم بين مطالب بتطبيق الشريعة ومستبسل في الدفاع عن مدنية الدولة..
لكن حركة النهضة رجّحت ميزان المعادلة و»أسكتت» الغوغاء الشعبية، وتكفّل رئيس الحركة بشرح المسألة للرأي العام معتبرا أن الشريعة مفهوم ملتبس يتطلّب وقتا للأخذ بمقاصده وأن إعلان حركة النهضة فيه وفاء لبرنامجها الانتخابي، حيث طرحت مدنية الدولة وستبقى متمسّكة بطرحها.. واعتبر البعض أن هذا القرار كان بعد ضغط اجتماع المنستير والمطالبة بجعل الاستفتاء حول الشريعة الفيصل والحكم، وقد صرّح راشد الغنوشي في ردّ غير مباشر على قائد السبسي أنه لا يمكن أن نورّط الشعب في استفتاء حول مفهوم مازال ملتبسا، قد يضعنا بعد ذلك في إشكال كبير سيترتّب عليه مباشرة تكفير جزء هام من الشعب التونسي..
وكان موضوع الشريعة وإدراجه في الدستور قد جعل أغلب أحزاب التأسيسي -بما فيها حليفا النهضة- تحسم أمرها في اتجاه الإبقاء على الفصل الأول من الدستور المعلّق، أي تونس دينها الإسلام، ولعلّ ذلك ما دفع بالنهضة إلى التسريع بحسم أمرها. ولم يقتصر الأمر على الشريعة فقط بل كانت لراشد الغنوشي مواقف حاسمة من السلفية، التي وصفها في لقاء جمعه ببعض رؤساء التحرير أنها ظاهرة معقدة وعابرة للقارات.. واعتبر أن كل عنف يأتيه أيّ طرف يجابه بالقانون..
وقد أثبت راشد الغنوشي بالإضافة إلى كونه من المفكرين الكبار أنه أيضا سياسي محنّك عندما عدّل خطابه حسب ما يطرحه الواقع وتقتضيه الضرورة، كما أنّ تحركاته الأخيرة طوال الأسبوع المنقضي أثبتت أنه يضع ثقله في ميزان الأحداث لضمان عدم إفلات أيّة مبادرة من زمام النهضة.

د. محمد الهاشمي الحامدي (رئيس تيار العريضة الشعبية): حركة النهضة أثبتت فعلا أنها تتاجر بالدين
اعتبر الدكتور محمد الهاشمي الحامدي رئيس تيار العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية أن الموقف الذي اتخذته القيادة الحالية لحركة النهضة والرافض لاعتماد الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع في الدستور الجديد، يعدّ خيانة للتونسيين الذين منحوا أصواتهم لقوائم حركة النهضة في الانتخابات ويعتبر خيانة لمبادئ الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس والتضحيات الجسيمة التي قدّمها الآلاف من أبنائها وبناتها خلال العقود الماضية.
وأضاف «إن هذا الموقف المفاجئ من قيادة حركة النهضة يقدّم للأسف الشديد دليلا على صحّة اتهام شهير ومعروف لطالما تمّ توجيهه لحركة النهضة في عهد بورقيبة وبن علي، وهو أنها تتاجر بالدين للوصول إلى السلطة. واليوم سيقول كثير من الناس إن هذه الحركة تاجرت بالدين للوصول إلى السلطة، واليوم تتاجر بالتخلي عنه والتفريط فيه للبقاء في السلطة».
وواصل حديثه قائلا: «إنني أدعو نواب حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي لتقديم ولائهم للمبادئ وللناخبين الذين صوتوا لهم على ولائهم لقيادة حركة النهضة، وأدعوهم إلى التحالف مع نواب العريضة الشعبية وتشكيل كتلة نيابية قوية تعبر عن ميول أغلبية التونسيين الذين يريدون دستورا مدنيا ديمقراطيا، الإسلام مصدر التشريع الأساسي فيه.
وأقول لإخواني وأخواتي نواب حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي، إن تأييدكم لموقف قيادتكم المعارض لاعتماد الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع في الدستور الجديد يشبه دخول المصلين في صلاة الجماعة من دون أداء تكبيرة الإحرام».
أبو دريد

رضا بالحاج: ردة الثورة.. وخيبة الشعب!
يقول رضا بالحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير معلقا على موقف النهضة وقرارها بخصوص اعتماد الفصل الأول من دستور1959: «لقد كان أمرا متوقعا بالنسبة لكل متابع للسياسة في بلادنا.
أعنقد أنه ثمة خيبة أمل قد انتابت الناس فلا شيء تغير بعد 14 جانفي وكأن الثورة ترتدّ على نفسها، فمنهجية الحكم والتشريع لم تتغير ليبقى نفس الفصل السابق مع تغيير طفيف. فالغريب أن هناك تناقضا رهيبا حاليا على الساحة السياسية وكان الاحتفاظ بالفصل الأول على صيغته القديمة مكسبا وهو ما يتنافى والإرادة الشعبية الراغبة في التغيير».
مسؤولية أمام الرأي العام
ويؤكد رضا بلحاج: «على كل طرف ان يتحمل مسؤوليته ومسؤولية خطابه أمام الرأي العام كاملة لان الدين أعظم من الجميع الذين هم في النهاية خدم له». وعند سؤاله على علاقة الحزب بحركة النهضة سابقا وبعد هذا الموقف أجاب محدثنا: «أعتقد أن ما يهمنا في النهاية مصلحة الناس المتمثلة في تطبيق الدين في إطار دولة إسلامية. فلا وجود لأيّة اتصالات رسمية مع النهضة، كما أن شرطنا بالنسبة للجميع بما فيها النهضة أن يكون اللقاء علنيا ومواضيعه معلومة لأننا نعبر على رأي الناس وكل ما نقوم به لا بد أن يكون في العلن».
واختتم الناطق الرسمي باسم حزب التحرير حديثه بالتشديد على ضرورة عدم الوقوف عند العنف والتكفير والتنازلات التي تجعل من الإسلام شكلا بدون مضمون.
جمال الفرشيشي

أبوعياض (قيادي في التيار السلفي الجهادي ) ل«الأسبوعي»: كيف نطالب من وصل إلى الحكم بطرق منافية للشرع.. بتطبيق الشرع؟
في إجابته عن سؤال حول موقف التيار السلفي الجهادي الذي هو من أحد قيادييه في تونس حول قرار حركة النهضة بشأن الفصل الأول من الدستور قال سيف الله بن حسين (أبو عياض): «ليس لدينا أيّ دخل في هذا الموضوع لأننا في الأصل نرى أن المجلس التأسيسي معدوم شرعا أي لا وجود له بالنسبة لنا فكيف لنا أن نهتمّ به أصلا».
ويضيف: «وحتى لو نصت النهضة على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع فإن القضية الإساسية المطروحة تتمحور حول مدى الالتزام بما تمّ التنصيص عليه فالمسألة هي مسألة ممارسة لا غير. نحن لم نطالب أحدا بتحكيم شرع الله لأننا نعلم جيدا أن وصولهم إلى الحكم كان بطرق منافية أصلا للشرع».
وعند سؤاله حول كيفية تعامله مع حركة النهضة أجاب محدثنا: «تعاملنا مع النهضة كحركة ليس كتعاملنا معها كشريك في الحكومة لأننا لا نعترف بالحكومة -مهما كان لونها أو توجهها السياسي- المخالفة للشرع فالمهم بالنسبة لنا أن لا نصطدم معها فمصلحتنا هي من مصلحة هذا الشعب، ونحن نسعى حاليا لتفادي أيّ تصادم رغم التصريحات النارية للعريض التي لن ننجرّ وراءها».
جمال ف.

«النهضة والتيار الإسلامي «المتشدد» :فك ارتباط سياسي أم إيديولوجي
حسبما تذكره مصادر مختلفة أكاديمية وإعلامية فان حركة الاتجاه سابقا وحركة النهضة حاليا سعت من خلال مفكريها ومناضليها إلى تطوير خطابها وإنضاجه بما يستجيب لمستجدات الواقع وتطوّر المجتمع..
وبعد أربعة عقود من النشاط العلني والسري نجد اليوم أن حركة النهضة بصدد تشكيل خصوصيتها كحزب ديني متجذر في بيئة معتدلة والنهل من الموروث الحضاري التونسي دون غيره من المرجعيات التي تتسم بنوع من التشدّد.
واليوم نجد تيارات إسلامية متشدّدة تحتكر الفضاء العمومي وتمارس الغلوّ والترهيب ويعتبر حضورها المكثف تهديدا، للأمن الاجتماعي خاصّة أنها ما فتئت كل مرة تلوّح بالويل والثبور لكل من تسوّل له نفسه بالوقوف في وجه هذا التيار السلفي الجارف الذي زاده الربيع العربي سطوة وحظوة..
وبالنسبة للتيار السلفي أو حزب التحرير فان الشريعة كمصدر للتشريع من المبادئ التي لا يمكن أن نناقشها، ونكوص النهضة عن تبني هذا المطلب يعتبر ارتدادا عن مرجعيتها كحزب ديني حسب وجهة نظرهم.. وهو السؤال المطروح اليوم هل ستنجح النهضة في فك الارتباط إيديولوجيا وسياسيا مع التيار السلفي المتشدّد وهو الذي قال عنهم الغنوشي في وقت سابق بأنهم «شباب الصحوة الإسلامية».. كما أن 12 من أعضائها القياديين يعتبرون من المتشددين والمتمسكين بالمقولات الأولى للحركة.. كما لا ننسى أننا مقبلون على انتخابات تشريعية ورئاسية بعد عام، وبالتالي سياسيا يجب أن لا تخسر القواعد الذين ينهلون من الفكر السلفي والفكر المعتدل.. فهل بعد ما تقدّم يمكن للنهضة فك الارتباط التام؟

عادل العلمي: الشريعة تقتضي المرحلية في التطبيق
يؤكد عادل العلمي رئيس الجمعية الوسطية للتوعية والإصلاح المعروفة سابقا ب»جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أن النهضة بموقفها الأخير قد عادت إلى ما كانت عليه إبان انتخابات أكتوبر من السنة الماضية حيث قال: «لا بدّ من التذكير بأن الفصل الأول من دستور 1959 بصيغته الحالية قد كان نتيجة لعذابات علماء الزيتونة وصبرهم وقتها، والذين تعرضوا للأذى والتنكيل، لذلك فإننا نرى بأن إعلان سقف كون الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع هو سقف عال لأننا نرى أنه من المفروض الانطلاق من فقه الواقع الذي يستند إلى الاجتهاد في سن قوانين تتماشى ووضعية البلاد وتطلعات الناس ولا تتنافى وما جاء بكتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم. كما أننا ضدّ كل قانون يتعارض مع الشريعة مثلا مسالة التبني، إن وجد لها قانون لتنظيمها فهي حرام شرعا وغير مقبولة لكن نعتقد أن هناك اجتهادات مشروعة تستند للعرف بعد الكتاب والسنة وما اتفق عليه العلماء».
ويتابع محدّثنا: «نحن نؤمن بالمرحلية (أي اعتماد سياسة المراحل للوصول إلى الهدف المنشود) التي تعتمد وجوبا على فهم الشريعة الصحيح والطريقة السليمة الشرعية في معالجة الواقع ونعني بذلك العودة إلى الشرع في حلّ القضايا المجتمعية».
ج. الفرشيشي

د. مصطفى التليلي :الدساترة رغم رصيدهم التاريخي لم يضعوا البلاد على سكة الديمقراطية..
ما أعلن هو خطوة أساسية في تحويل حركة النهضة من جماعة دعوية إلى حزب مدني..
الأحداث والمستجدات لا تصنع من فراغ تاريخي.. فكل ما يستجدّ على الساحة السياسية خاصة على المستوى الفكري والايديولوجي هو نتاج طبيعي لمراكمات سابقة.. ومن يعتقد أن ما نعيشه اليوم هو تداعيات مباشرة للفعل الثوري يكون مجانبا للصواب.. فكل ما تعيشه الساحة اليوم له سياقات تاريخية مختلفة، والثورة إما دفعتها للبروز ونفضت عنها الغبار وإما أخضعتها لعملية إعادة إنتاج نفسها من جديد..
«الأسبوعي» حاورت مصطفى التليلي الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وكذلك رئيس لجنة المناشدة التي كانت معنية بضمان حسن تطبيق الفصل 15 من القانون الانتخابي الذي أقصى من العملية الانتخابية من ناشد أو كان من حاشية بن علي لمعرفة رأيه، فيما اعتبرت عودة للدساترة وللبورقيبية وتحوّلا فارقا للمواقف السياسية لحركة النهضة..
منذ الثورة ونحن نعيش على وقع الاستقطاب الثنائي الذي ولّد صراعا معلنا وخفيا للسيطرة على الوجدان الشعبي ووصل حدّ تحفيز الشارع واستنهاضه للانخراط في هذا التجاذب.. كيف تقيم المسألة ؟
أعتقد أن ظاهرة تواجد تيار محافظ وتيار تجديدي في كل المجتمعات البشرية أمر طبيعي ويهم كل مراحل التاريخ البشري. فإذا رجعنا مثلا إلى تاريخ بلادنا نكتشف أن الصراع كان دوما بين نزعة تدفع نحو مواكبة روح العصر واستيعاب المستجدات ونزعة أخرى تميل نحو الانغلاق وتتخوف من الجديد وتتمسك بالسائد. يكفي أن نشير على سبيل المثال إلى الجدل الحاصل في صفوف الفقهاء والطبقة السياسية في نهاية القرن 18 وبداية القرن 19 حول مواجهة الأوبئة والذي أفرز فريقا يدعو إلى التوقّي من تفشّي الوباء والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في هذا المجال بعزل المصابين وتطبيق ما كان يعرف «بالكارنتينة» واتخاذ إجراءات أخرى في حين أصر فريق آخر على الفتوى برفض مثل هذه الإجراءات باعتبارها تدخلا في ردّ حكم القضاء والقدر ودعا إلى ترك البدع المجلوبة من الخارج وقبول مشيئة الله.
لذا فإن التجاذب بين النزعتين أمر عادي والمحدّد في جعل هذا التجاذب مثمرا ومثريا لمسيرة المجتمع وهو الكيفية التي يدار بها الصراع. فالحدّ الفاصل بين النزعتين غير ثابت ويمكن أن تكون النزعتان متواجدتين في نفس الفريق. يبقى المطلوب إذا هو رفض الإقصاء والاقتناع بحق الاختلاف والإبقاء على قنوات التواصل والتحاور بين المعسكرين وتكون الدولة للجميع باعتبارها ضامنة للتماسك المجتمعي وللحريات ولعلويّة القانون من خلال أجهزة جمهورية ومحايدة من الناحية الحزبية.
العودة القوية للدساترة وبقايا التجمّع المنحل هل هي عودة للفكر البورقيبي أم عودة للواجهة البورقيبية التي تعتبر تجسيدا للشرعية التاريخية وبالتالي العزف على الوجدان الشعبي أكثر منه أفكارا تطرح وتناقش؟
- لا يختلف اثنان في كون «العائلة الدستورية» هي مكوّن أساسي من مكونات المشهد السياسي التونسي ومن تاريخنا المعاصر فهي تستند إلى تراث سياسي يعود إلى 1919 تاريخ تأسيس أول حزب سياسي وهو الحزب الحر الدستوري التونسي والذي قاد العمل الوطني في الفترة الاستعمارية وتولى مهمة البناء في فترة الاستقلال وحقق العديد من المكاسب. ولكن الدساترة ورغم رصيدهم التاريخي لم يتمكنوا من وضع البلاد على سكة الديمقراطية بل العكس فقد مارسوا احتكار السلطة وإقصاء المخالفين في الرأي وصادروا الحقوق والحريات ونظّروا لتقديس الزعيم الأوحد وسكتوا عن الجهوية المقيتة باستثناء بعض الأصوات التي ارتفعت ولكنها حوصرت ووقع تهميشها.
لا أظن أنه يحقّ لنا اليوم الحديث عن عودة بالنسبة إلى الدساترة لأنهم لم يغادروا الساحة في أي مرحلة. ما يمكن أن نلاحظه هو محاولاتهم للتخلص من «عقدة التجمع» بعد 14 جانفي ورغبتهم في التباين مع السياسات التي كانت تطبق في عهد بن علي ولاسيّما مظاهر الاستبداد والفساد وسعيهم إلى تثمين الجوانب الوضّاءة من تاريخ الحزب الدستوري.
وأميل إلى الاعتقاد بأنّ ذلك غير كاف لاستعادة المنتسبين إلى التجربة «الدستورية» لمكانة مهمة في الساحة السياسية لأنّ الأمر يتطلب طرح برامج واضحة تحتاجها تونس في هذه المرحلة التاريخية وتكون مبنية على تقييم نقدي لتجاربهم السابقة وعلى إقرار بارتكابهم أخطاء ساهمت في تعطيل المسيرة الوطنية. إن الشرعية التاريخية تصبح غير ذات مفعول إذا لم تستند إلى مشروعية الحاضر بالانخراط الفعلي في المسار الذي يهدف تحقيق تطلعات التونسيين وتجسيد أهداف ثورتهم.
حضور بورقيبة بعد الثورة كصورة وكفكر واستحضار إصلاحاته هل هو اعتراف بتصحّر الساحة الحزبية وعجزها عن خلق صورة أو زعامة سياسية جديدة؟
يجب التذكير بأن استحضار صورة الزعيم بورقيبة وانجازاته أمر سابق لثورة 17 ديسمبر/14 جانفي. فالأداء السيّئ للرئيس السابق بن علي ولغته الخشبية وإطلاقه أيادي المحيطين به للعبث بمصالح الشعب والوطن دفع التونسيين إلى الحنين إلى الزعيم «الخطيب والذكي والمثقف والشعبي» والمتعالي عن الثراء المادي.
يكفي أن نذكّر بالتعاطف الشعبي الواسع مع الزعيم بورقيبة عند وفاته وبموجات الإعجاب بخطبه السابقة حتى في صفوف الشباب من مواليد بعد سنة 1987 والتي كانت تتداول في شبكات التواصل الاجتماعي. أما عن استحضار إصلاحات بورقيبة في الأيام الأخيرة فهو ببساطة ناتج عن شعور أوساط هامة من الشعب بأن العديد من المكاسب التقدمية لبلادنا مهددة اليوم بصورة جديّة.
فهناك دعوات صريحة لشل نصف المجتمع من خلال العودة لفكرة دونية المرأة وللتكفير ولتكريس التعصب ورفض قيم التسامح ومحاربة التفكير النقدي والرجوع إلى عقلية الاجترار لمقولات تمت صياغتها في سياقات أخرى ومجتمعات مختلفة تماما عن خصوصيات بلادنا وعن روح العصر.
أما عن الزعامات السياسية الجديدة فهي مرشحة للبروز لو تواصلت أجواء الحرية ولكن ملامحها ستكون بالضرورة مختلفة عن الصورة النمطية التي نحملها من خلال صورة بورقيبة أو عبد الناصر أو نكرومة... والمؤسف أن نرى اليوم من يحلم بإعادة إنتاج زعامته بالطريقة الكاريكاتورية وكأن الأمر رهين رغباته بقطع النظر عن تقبل الجماهير عبر مسيرة طويلة ومعقدة في وسط به نسبة تمدرس عالية ومتشبع بدرجة ثابتة من التفكير النقدي.
هل أن عدول حركة النهضة عن اعتبار الشريعة مصدرا للدستور قد يجعلها في وضع مواجهة مع باقي التيارات الدينية كالسلفية وحزب التحرير خاصّة وأن هناك 12 عضوا من النهضة نادوا بإدراج الشريعة؟
عدول حركة النهضة عن التنصيص على اعتبار الشريعة مصدرا للدستور في الحقيقة ليس جديدا إذا أخذنا خطابهم الموجه للرأي العام ولبقية الحركات السياسية والحقوقية في فترة النضال ضد التسلط والاستبداد وحتى بعد 14 جانفي حاول قادة حركة النهضة طمأنة المجتمع والنخب بإعلان تمسكهم بالصبغة المدنية للدولة. غير أنه خلال الحملة الانتخابية وبعدها لاحظ الجميع أن هناك علامات متعددة لازدواجية في خطاب ممثلي حركة النهضة. قد نفسر ذلك بالرغبة في الاستفادة من أصوات السلفيين ولكني شخصيا أرى أن الأمر مرتبط أكثر بطبيعة هذه الحركة وجذورها الدعوية. فالمطلوب من كل حركة انخرطت في المسار الديمقراطي أن تلتزم باستحقاقات هذا الانخراط وقبول قواعده ومنها الفصل الكلي بين ما هو سياسي ويمكن أن يفرّق وما هو ديني وهو بالضرورة جامع.
إذن ما أعلن أخيرا هو خطوة أساسية في تحويل حركة النهضة من جماعة دعوية إلى حزب مدني ملتزم بشروط العمل الديمقراطي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر مازال مطروحا للحسم وللمزيد من التوضيح في المؤتمر القادم لهذه الحركة بسبب معارضة أوساط مهمة من نشطائها خاصة في مستوى الكوادر الوسطى والقواعد وتحت تأثير المزايدات المتأتية ممن يعتبرون أنفسهم أكثر وفاء والتزاما بالمرجعية الدينية.
تحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة يفرض على الجميع الالتزام بثوابت العمل الديمقراطي المدني الذي يرفض توظيف المشترك الديني وينبذ الإقصاء والتكفير والتخوين ويفسح المجال للتنافس السياسي وتقديم البرامج المبنية على اجتهادات بشرية تحتمل الخطأ والصواب والموالاة والمعارضة حسب النتائج على الميدان.

حركة النهضة حسمت في الفصل الأول من الدستور: لكن ماذا عن حرية المعتقد والمجلس الإسلامي الأعلى؟
أقرّت حركة النهضة الأسبوع الماضي المحافظة على الفصل الأول من دستور 1959 وعدم التنصيص على الشريعة كمصدر أساسي ووحيد للتشريع. لكنّ حسم الحركة في هذه المسألة، التي طالما مثلّت عامل انقسام في صفوف التونسيين، لم يغلق «باب» اعتماد الشريعة كمصدر للتشريع وذلك نظرا إلى وجود جملة من الفصول رأت أطراف أنّه لا بدّ على الحركة أن تبيّن موقفها منها.
تضمّن مشروع الدستور المنسوب لحركة النهضة (الذي اعتبرته عدّة أطراف سياسيّة «بالونة اختبار» نفت الحركة انتسابه لها) عددا من الفصول التي نصّت على الشريعة في مضمونها. ومن أهمّ هذه الفصول، نجد الفصل العاشر الذي ينصّ على أنّ «الشريعة الإسلاميّة مصدر أساسي من مصادر التشريع». وحول هذا الفصل، قال شفيق صرصار مدير قسم العلوم السياسيّة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ل «الأسبوعي»: «إنّ اعتبار الشريعة مسألة خلافية زادت من انقسام الشعب.. وأن تشريعات الإسلام لا يجب أن تفرض لأنها تقوم على الاقتناع والإيمان بها.. فالحرية مكفولة للجميع في نظم الحياة التي يختارونها.. والدساتير تتأسس على ما هو مشترك وفيه إجماع وتوافق».
خطورة الحديث عن التشريع
وذكر أنّ حسم الحركة في الفصل الأوّل ساهم في الدفع بالمسار التأسيسي، قائلا: «كثيرون لا يميّزون بين الفقه وبين التشريع، ويتناسون أن التناحرات بين الفقهاء ، حتى ضمن الفقهاء السنة، تكشف خطورة الحديث عن التشريع كمصدر «أساسي ووحيد»، ويمكن العودة في هذا إلى حرق المرابطين لكتاب إحياء علوم الدين للغزالي، وإلى كتاب الفقيه الحنفي نجم الدين الطرسوسي الذي شن فيه هجوما على الفقهاء الشافعية ناصحا السلطان بعدم توليتهم القضاء.
لكنّ الفصل العاشر لم يكن الوحيد الذي أشار إلى الشريعة وإنّما وجد الفصل 126 المتعلّق بالمجلس الأعلى الإسلامي، الذي يعرّف على أنّه «مؤسسة دستوريّة مستقلّة تصدر الفتاوى طبقا للشريعة الإسلاميّة..».
في هذا الإطار، قال عامر لعريض عضو حركة النهضة في المجلس التأسيسي: «يمكن أن يوجد مجلس إسلامي ذو صبغة استشاريّة مثلما هو معمول به في عدّة دول، لكنّ الحسم في دستوريّة المجلس يرجع إلى لجان المجلس الذي يمثّل أعلى سلطة في البلاد».
من جهته، قال الأستاذ صرصار «لا بدّ من التذكير أن الأمر عدد 118 لسنة 1989 مؤرخ في 9 جانفي 1989، أحدث مجلسا إسلاميا أعلى، وقد كان مجلسا استشاريا مهمته تلميع صورة النظام، فالحديث عن إحداث مجلس إسلامي أعلى اليوم، يجب أن يخضع إلى عدّة ضوابط أهمها عدم تقويض الديمقراطية وإحلال التيوقراطية التي تعني الحكم باسم الإله محلّها، وتفادي التعصب المذهبي، بالمقابل قد يكون لهذا المجلس دور مهم لمواجهة انفلات الفتاوى، ولضمان التعديل الضروري une régulation لممارسة الإمامة والوعظ والفتوى».
حريّة المعتقد حقّ مطلق
إنّ حسم الحركة في الفصل الأول من دستور 1959 بعث الارتياح في نفوس عدد لا بأس به من التونسيين، لكنّه دفع البعض من متتبّعي الشأن الوطني إلى مطالبة الحركة بوجوب الإبقاء على الفصل الخامس من دستور 1959 الذي ينصّ على ضمان الجمهوريّة التونسيّة «حرمة الفرد وحرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشّعائر الدينية ما لم تخلّ بالأمن العام»، خاصّة أمام الدعوات لقتل اليهود في أكثر من مناسبة من قبل بعض «المتطرّفين».
في هذا الإطار، قال عامر لعريض: «إنّ حريّة المعتقد مكفولة ومضمونة في الدستور الذي سيصاغ على مصطلح «المواطنة» الذي يكرّس مساواة كلّ المواطنين في الحقوق والواجبات بقطع النظر عن انتماءاتهم الدينيّة والجهويّة والحزبيّة».
وأضاف قائلا: «إنّ الوطن يحمي حقوق الأقليّات بما في ذلك حريّة المعتقد والقيام بالشعائر الدينيّة، وهو ما سنعمل على إرسائه في الدستور».
وحول هذا الفصل، قال أستاذ العلوم السياسيّة: «أرى أنّه من الضروري أن تبيّن كل الأطراف موقفها بوضوح من كون حرية المعتقد هي حق مطلق في حين يمكن إخضاع حرية الشعائر لبعض القيود، فلا سبيل اليوم لمحاكم تفتيش أو لمحاكمة النوايا، فالإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن، بقدر ما يشجّع على النفاق».
بالحسم في مسألة الفصل الأول من الدستور، بيّنت حركة النهضة وفاءها لما صرّحت به خلال حملتها الانتخابيّة، لكنّ الأيام المقبلة ستؤكّد مدى مدنيّة حزب حركة النهضة.
خولة السليتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.