تواصل تونس الحرب التي تشنها منذ أشهر ضد الفساد من خلال جملة الاجراءات التي تقوم بها من اعتقالات متواترة لأطراف ثبت تورطها في قضايا فساد مالي ، و مصادرة أموال لرجال أعمال فاسدين ، فضلا عن إصدار قوانين جديدة تكافح الكسب غير المشروع والفساد في القطاع العام .. ويبدو أن أفة الفساد جدّ منتشرة في مؤسسات الدولة وإداراتها ، وهو ما تكشف عنه الإيقافات بين الفينة والأخرى التي تطال كوادر ومسؤولين وموظفين. وقد أوقفت السلطات ، مؤخرا، مستشارا لدى وزارة الصحة ومديرا بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية. وقال الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية، سفيان السليطي، إن "السلطات تحقق مع الموقوفين وسيتم تقديم تفاصيل إضافية في وقت لاحق عند إحالتهما على أنظار القضاء". ورفض السليطي الإفصاح عن أسباب الإيقاف وما إذا كانت تتعلق بقضايا حق عام أو فساد أو إرهاب، غير أن وسائل إعلام محلية قالت إن فرقة تتبع وحدة مكافحة الإرهاب، كانت قد اقتادت مستشار وزير الصحة من مكتبه للاحتفاظ به على ذمة التحقيق. وسبق أن أعلن رئيس "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" في تونس شوقي الطبيب "تواطؤ" بعض أجهزة الدولة في عمليات التهريب بالمناطق الحدودية، محذرا من ان التهريب هو المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات "الارهابية". وقال الطبيب في تصريح سابق "حجم هذا النوع من الفساد ما كان له ان يصل الى هذه الوضعية، دون تواطؤ بعض الاطراف داخل الدولة، داخل الحكومة، داخل مؤسسات الدولة التونسية" من دون ان يذكر هذه الاطراف بالاسم. ونبه من أن التهريب هو "أبرز مصدر لتمويل الجماعات الارهابية" داعيا رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى إحداث "غرفة عمليات مشتركة" بين وزارات عدة مثل الداخلية والدفاع والتجارة ل"محاربة هذه الظاهرة". الآراء في تونس متباينة من حملة حكومة الشاهد على الفساد، فهناك من صدّقوا الحكومة بأنها انطلقت فعليا في حربها ضد الفساد، وطالبوها بأن تمضي إلى النهاية، ولا تستثني أحدًا، وعبروا عن دعمهم لها ومعاضدتهم جهودها .وفي المقابل، شكك آخرون في خلفيات هذه الحملة، وطالبوا الحكومة بأن توضح ما حدث، وأن تصارح الشعب بالحقيقة. و في تقييم الحصيلة التي كشفت عنها الحكومة تبين ان النتائج لم ترق بعد إلى التطلعات التي كانت متوقعة منها. وبعد ما يناهز الثمانية أشهر، كشفت الحكومة عن حصيلة مؤقتة لحربها ضد الفساد التي أعلنتها العام المنصرم. وقد شملت الحملة إيقاف رجال أعمال وكوادر في الدولة، إلى جانب حجز بضائع، في الوقت الذي يرى محللون أن هذه الإجراءات غير كافية لإنهاء آفة الفساد. ومنذ إعلانها عن انطلاق حربها على الفساد، أوقفت السلطات، 33 موظفا في الإدارة و22 من رجال الأعمال. وتقدر قيمة الطلبات المالية في القضايا التي تتعلق برجال الأعمال بنحو 3600 مليون دينار ، بحسب ما نقلته وكالة تونس افريقيا للأنباء عن رئاسة الحكومة في قضايا جرائم تتعلق بتبييض الأموال، وتهريب عملة وجرائم أخرى ديوانية. كما وقع حجز ، بضائع تقدر قيمتها بنحو 20 مليون دينار، تعمل الدولة على التفويت فيها لمصادرة مداخيلها، فيما وصل حجم التهرب الضريبي من الديوانة نحو 119 مليون دينار. ومن بين الإداريين الذين شملتهم الحرب ضد الفساد، كوادر وموظفين في وزارات التجارة والمالية والصحة والداخلية والبيئة. وتأتي هذه الملاحقات في سياق حرب ضد الفساد، كان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد أطلقها في ماي الماضي، وتعهد في أكثر من مناسبة بمواصلتها. وفي تعليقه على الأرقام التي وردت بهذه الحصيلة، يقول المحلل السياسي مختار الدبابي إن "إلقاء القبض على 22 من رجال الأعمال المشبه فيهم، يعتبر رقما كبيرا خاصة إذا نجح القضاء في إثبات تهم مالية ضدهم وفي حال تم تحويل أموالهم المصادرة لبعث مشاريع تنموية في المناطق الداخلية المحرومة". ويستدرك المحلل السياسي بالقول إن "إعلان ضبط 33 موظفا في الدولة، يعتبر رقما هزيلا بالنظر إلى حجم الفساد الذي ينخر الإدارة التونسية"، مرجحا أن تكون السلطات قد "ضحت بهذه القائمة الضيقة من الموظفين لتجنب غضب الإدارة ذات النفوذ الواسع، والتي يتحدر منها أغلب المسؤولين الكبار بالبلاد".