تمضي تونس قدما في الحرب التي تشنها منذ أشهر ضد الفساد من خلال جملة الاجراءات التي تقوم بها من اعتقالات متواترة لأطراف ثبت تورطها في قضايا فساد مالي ، و مصادرة أموال لرجال أعمال فاسدين ، فضلا عن إصدار قوانين جديدة تكافح الكسب غير المشروع والفساد في القطاع العام .. وفي خضم هذا الشأن، بلغ عدد الموضوعين تحت الإقامة الجبرية في حملة مقاومة الفساد التي أطلقتها الحكومة إلى حدود يوم أمس 22 شخصا. وبإحالة ملفاتهم إلى القضاء تم إصدار 11 بطاقة إيداع في شأنهم من قبل قضاة التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، أما البقية فقد أذن وكيل الجمهورية بالقطب بالاحتفاظ بهم وتم الإذن بفتح تحقيق في شأنهم من أجل ارتكاب جرائم تبييض أموال وجرائم صرفية وديوانية، وقد تم سماعهم من قبل قضاة التحقيق وإبقاؤهم بحالة سراح. وقد بلغت القيمة المالية للبضائع المحجوزة في إطار الحملة 20 مليون دينار وتتم إجراءات التفويت فيها باستخلاص مبالغها، فيما بلغت قيمة الأداءات الديوانية المتفصّى من دفعها من قبل هؤلاء مبلغ 119 مليون دينار. كما بلغت قيمة المخالفات الصرفية المرتكبة 315 مليون دينار وبالتالي وصلت قيمة الطلبات المالية في مجمل القضايا المرفوعة إلى 3600 مليون دينار وجاري تحصيلها إثر الانتهاء من الأبحاث من قبل قضاة التحقيق. وشملت الحرب على الفساد إيقافات على مستوى الإدارة كالآتي: 5 موظفين بوزارة الصحة، كاهية مدير بوزارة ، 3 مديرين بوزارة التجارة، مديران بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، 3 مديرين بوزارة المالية، موظفان بوزارة الشؤون المحلية والبيئة، رئيس نيابة خصوصية، مدير عام بوزارة، 16 موظفا بوزارة الداخلية وقد تدعمت الترسانة التشريعية في مجال مكافحة الفساد بقانون الإثراء غير المشروع (من أين لك هذا) وقانون التصريح بالمكاسب، وتم أيضا تدعيم إمكانيات القطب القضائي الاقتصادي والمالي سواءً على المستوى البشري أو اللوجستي كإصدار القرارات والأوامر الترتيبية التي تسهل عمل القطب وخاصة منها المتعلقة بانتداب المحللين الماليين ووضع جميع الإمكانيات التي من شأنها أن تساهم في قيام القطب بمهامه على أحسن وجه. وفي هذا الصدد، أكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن الحرب على الفساد في تونس هي أم المعارك والتي من شأنها أن تعيد ثقة المواطن في الدولة وتساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية. وأضاف أن "حربنا على الفساد، هي الخط الاول في دفاعنا على النظام الديمقراطي و هي حرب كل التونسيين الشرفاء ." ، متابعا القول"نعم نحن اليوم متفقون…يا الديمقراطية يا الفساد، يا الدولة يا الفساد، يا تونس يا الفساد، واحنا إخترنا تونس" و من جانبه ، أكد رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر ضرورة استنفار جميع القوى الحية في البلاد لإنجاح خطة مقاومة الفساد، داعيا النخب والفنانين وقادة الرأي والإعلام إلى المساهمة في الحرب على الفساد وعدم الاكتفاء بجهود السلطات والجهات الرسمية. وبيّن الناصر أن هذه الظاهرة خربت المجتمع وأجهضت مسالك الإنتاج والإصلاح، مؤكداً أنها أولوية وطنية قصوى ويجب أن تشارك جميع القوى في إنجاح الخطة الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وأن يتم تنفيذها بصرامة. و أكد محمد الناصر إن الفساد أصبح عالماً للإبداع الإجرامي تجاوز ممارسات الإثراء غير المشروع، كما أنه يهدد الحقوق المشروعة والمكاسب الفردية والجماعية، ويستوجب توحيد وتنسيق الجهود على مستوى كلّ من التشريع، والقضاء، والأمن، والإدارة، والثقافة، والإعلام، والتربية، والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. ومن جهته، انتقد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، العميد شوقي الطبيب، عدم إصدار الحكومة للأوامر التنفيذية حول القوانين التي أصدرها البرلمان، معتبرا أنها ضرورية لتفعيل النصوص وتطبيقها، وانتقد كذلك القانون الخاص بهيئة مكافحة الفساد والقانون المنظم للهيئات الدستورية اللذين أصدرهما البرلمان مؤخرا، مشيرا إلى أنهما لا يخدمان مسار الحرب على الفساد ويمثلان تراجعاً دستورياً خطيراً يجب تجاوزه. جدير بالذكر أن مجلس نواب الشعب كان قد صادق على قانون التبليغ على الفساد وحماية المُبلِّغين عنه، وقانون الحق في النفاذ إلى المعلومة وقانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومُكافحة الفساد، وينظر حاليا في قانون التصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بالقطاع العام. ولقيت الحملة التي شنها رئيس الحكومة على عدد من رموز الفساد في البلاد وإحالتهم على القضاء، استحسانا لدى الرأي العام الدولي الذي يتابع تقدم الحرب على الفساد باهتمام كبير. وتعتبر منظمة الشفافية الدولية أن تونس من بين الدول العربية، التي أبدت تحسنا طفيفا في مؤشر مدركات الفساد باحتلالها المرتبة 75 عالميا، مشيرة في تقريرها إلى أن التحسن يعود لعدة إجراءات اتخذتها تونس لمحاربة الفساد، أهمها إقرار قانون حق الحصول على المعلومة والذي يعتبر من أفضل القوانين الموجودة في المنطقة العربية، بالإضافة إلى المصادقة على قانون لإنشاء قطب قضائي مالي مختصّ في قضايا الفساد الكبرى. كما أشاد تقرير المنظمة الدولية بالمجتمع المدني وهيئة مكافحة الفساد وما تقوم به في الضغط لإنجاح مسار الشفافية والحوكمة ومقاومة الفساد. وأعدت الهيئة أول تقرير سنوي تقدمه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد منذ إحداثها في 2011 وأعلن رئيسها إحالة 94 ملف فساد إلى القضاء، فيما ورد عليها 9027 ملفا في 2016، من بينها 958 أحيلت إليها من رئاسة الحكومة.