وُصف الأداء الحكومي على امتداد السنوات الماضية بالضعيف، ولم يكن في المستوى المطلوب في الاستجابة الى المطالب التي طرحها المسار الثوري والشباب اليائس، لم تكن المعارضة ولا الأحزاب المشاركة في الحكم على اختلاف مسمياتها أحسن حالا من أداء الحكومات المتعاقبة رغم ميلاد العديد من الجبهات السياسية "الهشة"، التي طرحت قوة فاعلة، وبديلا مقنعا. وتكاثفت الجهود خلال السنوات الاخيرة من أجل بناء جبهات سياسية، ليس بهدف تطوير العمل الحزبي أو خدمة المصلحة العامة، بقدر ما هو محاولات يائسة لعزل أحزاب بعينها، وتحميلها كل الاخفاقات السياسية في البلاد، أو للتموقع وفرض وجودها. في هذا الشأن، أكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أنور الجمعاوي في تصريح ل"الشاهد"، أن أغلب الجبهات والتحالفات التي شهدتها تونس بنيت إما لكسب المعارك الانتخابية أو لإدارة السلطة في مرحلة معينة. وأوضح أن جبهة الانقاذ مثلا التي ضمت أحزاب يسارية كانت غايتها الإطاحة بحركة النهضة والترويكا الحاكمة قبل سنة 2014، اضمحلت وتفككت بمجرد صدور نتائج الانتخابات التشريعية الفارطة لأن هذه النتائج فرضت على بعض أحزابها تحالفات جديدة، ولأن تشكلت من أجل غايات سياسية حزبية وليست برامجية. اما تحالف النهضة مع المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات فكان بغاية تحقيق توافق وطني وإدارة تشاركية للدولة. وأشار محدث "الشاهد" الى أن الانتخابات الفارطة أفرزت تحالف جديد بين حركة النهضة ونداء تونس، واعتبر هذا التحالف شكلا من أشكال التوافق بين العلمانيين والاسلاميين، وكانت تجربة فريدة من نوعها في تاريخ العالم العربي المعاصر،لافتا الى أن هذا التحالف انبنى على خلفية سياسية لإدارة البلاد بطريقة توافقية. أما عن الائتلاف المدني، فأكد الجمعاوي أنه مكوّن من أحزاب صغيرة لا تحظى بعمق شعبي معتبر، تحاول منافسة الأحزاب الكبرى، وأن غايته مواجهة الائتلاف الحكومي القائم، واعتبر أن تفككه مباشرة بعد الانتخابات المقبلة وارد جدا، مشككا في إمكانية بقائه حتى المحطة الانتخابية المقبلة. واعتبر الكاتب الصحفي أن الجبهة الشعبية حافظت على تماسكها رغم طول المدة منذ تشكلها، وقدّر أن تستمر بعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لأنها تضم أحزابات متقاربة ايديولوجيا. ويؤكد محللون ان جل التحالفات السياسية التي ظهرت خلال السنوات الاخيرة ستندثر بعد الانتخابات المقبلة، ولن يبقى سوى حزبين او ثلاثة أحزاب على أقصى تقدير، ممن حافظوا على تماسكهم، خلال الميركاتو السياسي الذي شهدته تونس مؤخرا، ويرجعون ذلك، الى عدم وجود أهداف مشتركة بين هذه الاحزاب، بخلاف الفوز في المحطات الانتخابية المقبلة. وتسعى أغلب الجبهات المكونة والتي تكونت الى محاولة فرض نفوذها قصد اسقاط الائتلاف الحاكم، ويقيمها ناشطون على أنها مجرد رغبة في تقاسم أعباء الحكم و المعارضة، فيما يرها اخرون تقليدا سياسيا معتمدا في أغلب الدول الديمقراطية التي تتبع نظاما انتخابيا مشابها للنظام الانتخابي التونسي، باعتبار أن السياسة في تعريفها البسيط هي "طرق قيادة الجماعة البشرية وأساليب تدبير شؤونها لما يعتقد أنه خيرها ومنفعتها"، وليس خير القائمين عليها ومصلحتهم. يأتي ذلك في وقت تصارع فيه حكومة يوسف الشاهد، للبقاء على الرغم من الإخفاقات المتلاحقة، ويصارع فيه نواب البرلمان للتوافق حول بعض الملفات الشائكة، في المقابل، غرقت الأحزاب السياسية في الحسابات السياسوية، الأمر الذي جعلها تحيد عن بعض المسائل الحيوية المتعلقة بالشأن العام.