تشير الديمقراطية الداخلية في الاحزاب السياسية الى مستوى واساليب تشريك اعضاء الحزب في صنع القرار وتداوله ضمن الهيكلية الحزبية لتغذي التنافس الحزبي للمواطنين وتصنع حزبا قادراً على خلق سياسات وبرامج سياسية أفضل. لكن واقع الأحزاب السياسية في تونس، يحاكي ديمقراطية إما خاطئة، أو أخرى لم تفسرها المعاجم السياسية بعد، وبالعودة إلى الممارسة الحزبية، فإن قيادات جل هذه الأحزاب تهيمن على عملية اتخاذ القرارات. وظلت هذه الأحزاب أسيرة بيئتها، حيث لا تمارس زعاماتها الديمقراطية داخلها، ولا مع الفئات الاجتماعية التي تدَّعي الالتزام بالدفاع عن مصالحها، ولا مع القوى الأخرى فلا يمكن الحديث عن أحزاب سياسية، قادرة على تنزيل مبادئ الديمقراطية، دون تبني ديمقراطية داخلية، أي داخل آلياتها، وإعلان قطيعتها مع البيروقراطية والاستئثار بالرأي، وعدم إشراك جميع الفئات المكونة للحزب خاصة منها فئة الشباب والنساء. وتعد أمثلة ذلك كثيرة، على سبيل الذكر، حركة مشروع تونس التي دخلت سابقا في دوامة من الاستقالات والاقالات لعدد من القيادات و حتى من النواب صلب كتلة الحرّة، وأرجع المستقيلون أسباب الاستقالة الى التفرّد بالرأي من قبل القيادة. وأعضاء حركة مشروع تونس نفسهم استقالوا قبل تكوين حزبهم الجديد من حركة نداء تونس، لنفس الاسباب، اي تفرد المدير التنفيذي للحركة حافظ قايد السبسي بالتفرد بالرأي وتهميش قيادات الحزب، وعدم التشاور معهم. هذا وتتهم عدة قيادات حزبية استقالت من حزب افاق تونس، رئيس الحزب ياسين ابراهيم بالتفرد بالرأي وعدم استشارة أعضاء الحزب في قراراته، وهو ما كشفته موجة الاستقالات التي اجتاحت الحزب مؤخرا، حتي أن بعض قياداته اتهمته ب"الديكتاتورية". وتجمع اغلب الاطراف المشاركة في الحكومة والمعارضة على أن الجبهة الشعبية تعيش حالة من الصراع على الزعامة بين قياداتها، وصراع لتزعم المعارضة، وكان الناطق الرسمي باسمها قد نفى في عدة مناسبات الاتهامات الموجهة اليه بتنصيب نفسه زعيما على المعارضة. أكد المحلل السياسي والديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي في تصريح ل"الشاهد"، أن حركة النهضة هي الحزب الوحيد الذي يمارس الديمقراطية ولديه مؤسسات يتشاور داخل هياكلها، لأن تعتبر نسبيا لها ماضي طويل في ممارسة السياسة. وأشار العبيدي أن جميع الأحزاب الأخرى مبنية على شخص واحد، تدور حوله كل احداث الحزب ومستجداته، وأغلبها لم تعقد مؤتمرات مستمرة، حسب تقديره. وأشار محدث "الشاهد"، إلى أن حزب افاق تونس مثلا، لم يستطع الحفاظ على أعضائه الممثلين في الحكومة، بعد أن قرر الانسحاب منها، كذلك بالنسبة للحزب الجمهوري الذي فقد ممثله الوحيد في الحكومة، وهو إن دل يدل على افتقاد الحزب الى قانون داخلي ينظم العمل، ومؤسسات حزبية للتواصل بين الاعضاء ومع القواعد. وشدد المحلل السياسي على أن قيادات الاحزاب لا تتواصل مع القواعد، وتهيمن شخصيتين أو ثلاث فقط على القرار داخل الحزب، فيما يعود القرار الاخير الى زعيم الحزب، بالتالي لن تستطيع هذه الاحزاب الاستمرار في ظل غياب قواعد لعبة تحكمها.