حالة من التوتر تسود العلاقة بين الصحافة ووزارة الداخلية، وجدل واسع رافق تصريح وزير الداخلية لطفي براهم، خلال جلسة استماع أمام لجنة الأمن والدفاع بمجلس نواب الشعب ، كشف خلالها عن رصد أجهزة الداخلية لمكالمة هاتفية بين مراسل صحفي وأحد المحتجين إبان الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد ضد قانون المالية الجديد، وهو ما استدعى التحقيق معه. أمر اعتبره الصحفيون سلوكا خطيرا وعودة لسياسة التضييق على الصحفيين، التي كانت سمة بارزة للداخلية التونسية في عهد المخلوع بن علي، في الوقت الذي يمنع فيه القانون التونسي والدستور التنصت على المكالمات الهاتفية إلا بإذن قضائي. تعليقا على ذلك، أكد الخبير الأمني يسري الدالي في تصريح ل"الشاهد"، وجود عمليات تنصت في تونس ليس فقط على الصحفيين بل على عدة شخصيات أخرى، وأنها لم تنقطع بعد الثورة، ولا أحد يستطيع إنكار وجودها. وأضاف الدالي، عمليات التنصت موجود ومُنظمة في كل ديمقراطيات العالم باستثناء تونس، مشيرا الى أن أجهزة الأمن تتنصت على الاتصالات دون إذن القضاء في بعض الأحيان، مشيرا إلى أن يقع في بعض الحالات طلب إذن للتنصت على من أجل قضية معينة، ويقع إقحام شخصيات لا علاقة لها بالقضية لمجرد التنصت عليها وليس لخدمة القضايا. وقال محدث "الشاهد"، إن عددا من المعنيين بالأمر طالبوا منذ 2011 بضرورة تنظيم المسألة وإصدار نصوص قانونية تتحكم فيها، مشددا، على أن الاصلاحات التي أفرزتها الثورة لم تطل المنظومة الامنية التي ظلت كما كانت عليه قبل الثورة. وأكد الخبير الأمني على ضرورة إرساء هيئة لتنظيم عمليات التنصت ومراقبتها، مبديا تخوفه من أن ييمتلك كل جهاز الحق في التنصت. ووصف رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس خلال لقاء إعلامي في العاصمة الثلاثاء 30 جانفي 2018 عمليات التنصّت على اتصالات بعض الصحافيين والمواطنين بالإجراء غير القانوني، مشددا على أنّ أي إجراء في هذا الاتجاه لا يمكن اتخاذه إلا بمقتضى قرار قضائي. هذا وشن مجموعة من الصحفيين التونسيين عبر صفحاتهم الخاصة على "فيسبوك" حملة ضد وزير الداخلية التونسي نددوا فيها بما اعتبروه عودة الى مربع الاستبداد والممارسات الدكتاتورية تجاه الصحفيين. كما نددت نقابة الصحفيين التونسيين ب"الرقابة البوليسية" على الصحفيين في تونس ما يشكل حسب رأيها تهديدا جديا لحرية التعبير في الديمقراطية الناشئة. من جهته، أكد وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية و المجتمع المدني و حقوق الإنسان، مهدي بن غربية، إن سرية المراسلات والمكالمات الهاتفية مكفولة بالدستور. وأضاف في تصريح صحفي أن هذه الممارسات لا يمكن أن تتم إلا في إطار القضاء الذي يبقى ضامنا للحقوق والحريات، وفق تعبيره. كما توترت البيانات مؤخرا بين النقابات الجهوية لقوات الأمن، والمكاتب الجهوية لنقابة الصحفيين طبعت توتر العلاقة بين الجانبين، وتضمنت تدوينات بعض نقابات الأمن سلسلة من التهديدات بلهجة واضحة وصريحة موجهة ضد الصحفيين إلى جانب شتم وثلب العديد منهم واصفا إياهم بأبشع النعوت. وكان الوزير قد هدد أيضا «المدوّنين»، خلال جلسة الاستماع مشيراً إلى اعتزامه رفع شكوى للمكلف العام بنزاعات الدولة، مفادها تتبع كلّ من «يشكك في المؤسسة الأمنيّة أو كتابة أمور تمسّ معنويات الأمنيّين». وماتزال علاقة الصحفي برجل الأمن في تونس تثير الكثير من التساؤلات، وتتأرجح بين المصالحة والقطيعة، إذ بدا أنه من غير الهين، بعد سنوات من رضوخ جهاز الأمن لنظام دكتاتوري، وسنوات من قمع الحريات وتكميم الأفواه، تغيير صورة رجل الأمن.