لا تزال المرأة الريفية العاملة في القطاع الفلاحي تتعرض إلى شتى أنواع التهميش والمعاناة من ضعف الأجور وغياب التغطية الإجتماعية وطول ساعات العمل فضلا عن سوء المعاملة التي يتلقينها من مشغليهن في عديد الأحيان .. . ولعل تواتر الحوادث المرورية بين الفينة والأخرى مخلفة عديد الضحايا و الاصابات خير دليل على فضاعة الواقع المرير الذي يعشنه هؤلاء الكادحات.. هويدة الحاجي تلميذة في ال18 من عمرها ، اضطرت إلى الخروج الى العمل في جني الزيتون خلال العطلة المدرسية علّها توفّر القليل من المال من أجل مصاريفها ، بيد أن يد القدر كانت أسرع إليها ، فقد توفيت الخميس غرة فيفري 2018 بالمستشفى الجامعي بصفاقس، وذلك بعدما سقطت من العربة التي تنوي نقلها صحبة عدد من النسوة من معتمدية حاسي الفريد بالقصرين إلى قفصة بغية جني الزيتون ومساعدة والدتها خاصة وأن هويدة يتيمة الأب. ووفق ما صرّح به مصدر من المستشفى الجامعي بصفاقس، فإن أسباب الوفاة كانت نتيجة نزيف داخلي في الرأس. ولطالما تواترت بين الفينة والأخرى حوادث من هذا القبيل تتعرض فيها عملات فلاحيات الى إصابات متفاوتة الخطورة ، وتسفر في مرات عن مقتل عدد منهن ، وتقتصر السلطات في كل مرة على فتح تحقيق في الحادثة دون العمل على إيجاد حل جذريّ لاستغلال العاملات وتشغيلهم في ظروف مهينة وغير محترمة. الأمر الذي دفع المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في أكثر من مناسبة الى استنكار استمرار تجاهل الهياكل المهنية للقطاع الفلاحي والجهات الحكومية لظروف نقل النساء العاملات في قطاع الفلاحة والتي أدت في مناسبات سابقة عديدة الى حوادث قاتلة دون اكتراث الجهات المسؤولة ويحمل هذه الأخيرة المسؤولية الكاملة في استمرار "شاحنات الموت" في نقل النساء العاملات و دعا وزارات الفلاحة والنقل والداخلية الى اتخاذ اجراءات فورية لمنع استخدام وسائل نقل غير مخصصة لنقل العمال ومحاسبة كل مخالف للقانون. و طالب الحكومة بخطة شاملة لوقف كل مظاهر التشغيل الهش للنساء في القطاع الفلاحي وغيره من القطاعات ويدعوها لإلزام كل الأطراف الاجتماعية باحترام شروط العلاقات الشغلية التي يكفلها الدستور والحق في الشغل اللائق والاجر اللائق والتغطية الاجتماعية الذي تقره مواثيق حقوق الانسان. وسعيا لتحسين واقعهن، أطلقت الجمعية التونسية لجودة الحياة مبادرة تهدف الى حماية النساء العاملات في القطاع الفلاحي وجهته الى كل من رئاسة الحكومة والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والنقابات الفلاحية والاتحاد الوطني للمرأة الفلاحية والاتحاد الوطني للمرأة التونسية. يشار إلى أن العديد من الدراسات أجريت في السنوات الأخيرة وتناولت موضوع معاناة النساء الريفيات والعاملات في القطاع الفلاحي، وقد كشفت دراسة قامت بها جمعية النساء الديمقراطيات حول العاملات في القطاع الفلاحي «أوجه الهشاشة النضال من أجل العيش الكريم»، شملت سبع ولايات في الشمال، أن أغلب العاملات يتنقلن ما بين 5 و20 كلم للوصول لموقع العمل عبر شاحنات أو مجرورات فلاحية، وفي أغلب الأحيان يجبرن على الوقوف حتى يتسنى لصاحب الشاحنة نقل أكبر عدد ممكن من النسوة، ويشتغل العاملات في القطاع أكثر من 12 ساعة في اليوم مقابل أجر يومي زهيد لا يتجاوز 7 دنانير. وتؤكد شهادات النسوة المشاركات في الدراسة أن أصحاب السيارات التي تنقلهن إلى مواقع العمل لا يقومون باستخلاص معاليم تامين الجولان. وبينت أيضا دراسة قامت بها «أكاديمية شباب راصد لانتهاكات حقوق الإنسان» التابعة للجمعية التونسية للحراك الثقافي بالشراكة مع الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، وشملت حوالي 1000 امرأة عاملة في القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد أن عمليات نقل العاملات تتم في عربات غير مهيأة وأن العربة تنقل أكثر من طاقتها حيث يسكب الناقل الماء على أرضية العربة حتى لا تجلس العاملات وبالتالي يضمن نقل أكبر عدد وقوفا وصرحت 85 c/o من العاملات أن ظروف نقلهن رديئة ورديئة جدا وتفتقد لأدنى ظروف السلامة والكرامة. هذا ووصفت التقارير والدراسات ظروف النقل بالاستغلال الفاحش والعبودية وبأنها تخرق كل القوانين ورغم ذلك لم تحرك الهياكل المعنية ساكنا. وتنتهك القوانين وظروف النقل الآمن على الطرقات أمام أعين السلطات الأمنية وأعوان المرور الذين يغضون الطرف على الشاحنات التي تنقل العاملات في القطاع الفلاحي دون أدنى ظروف تضمن سلامتهن الجسدية وكرامتهن. في المقابل، تغض وزارة المرأة الطرف عن متابعة وتفعيل القرارات لتخفيف جزء من مآسي العاملات في الفلاحة والحفاظ على أرواحهن على الأقل بعد أن عجزت عن تأمين ظروف عيش كريمة لهن من تغطية اجتماعية ومساواة في الأجر وإحاطة ورعاية صحية. وتتضمن المبادرة حسب القائمين عليها دعوة جميع الاطراف المعنية الى سن ترتيبات وتشريعات تضمن الحد الادنى من توفير حقوق العاملات بالقطاع الفلاحي علما وأنهن عاملات تختلف مستوياتهن التعليمية من الاميات الى المنقطعات عن التعليم وصولا الى حاملات الشهائد الجامعية. وفي هذا الصدد، قال رئيس الجمعية التونسية لجودة الحياة نوفل يوسفي في تصريح سابق إن الجمعية تقترح أن يقع تشريك الجمعيات والمنظمات ذات الصبغة التوعوية والتحسيسية والتثقيفية والتنموية والهياكل والاتحادات والجمعيات المختصة في المنظومة القانونية والدفاع عن الفئات العاطلة عن العمل على غرار اتحاد اصحاب الشهادات الجامعية المعطلين عن العمل من اجل ترتيب وتنظيم طرق تشغيل العاملات في القطاع الفلاحي وفق اتفاقيات. ودعا اليوسفي في هذا الشأن المجتمع المدني الى لعب دور الوسيط عبر منح الامكانيات الضرورية للعاملات لأداء عملهن في افضل الظروف الممكنة، من خلال توفير النقل وقاعدة بيانات خاصة بعروض وطلبات الشغل لفائدة العاملات، مع التأكيد على وجوب مرور عملية التشغيل أو الانتداب عبر هذه الجمعيات والمنظمات المعنية للقيام بدور الرقابة والتوعية وضمان حقوق العاملات بالمجال الفلاحي بغاية حماية هذه الشرائح الاجتماعية. ولفت رئيس الجمعية الى أنّ النساء العاملات بالقطاع الفلاحي مضطرات لقلة ذات اليد للعمل في مثل هذه الوضعية الهشة، وهن غير متمتعات بأدنى ضمانات الحماية والرعاية الاجتماعية والصحية، علاوة على تعرضهن الى عديد الحوادث الناجمة عن نقلهن بعربات لا توفر ادنى مقومات السلامة لهن.