عاجل/ النيابة العمومية تكشف الشبهات المتعلقة بهذا الوزير السابق..    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    مهرّبون متورّطون مع أصحاب مصانع.. مليونا عجلة مطاطية في الأسواق وأرباح بالمليارات    تعيين سفير في اندونيسيا    عملية صيانة كبرى في نقل تونس    وزارة التعليم العالي تنفي علاقتها بتنظيم منتدى مغاربي حول 'علم النسب وتاريخ العائلات'    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    وزارة الداخلية تشرع في استغلال مقر جديد متطور للأرشيف    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    القبض على 24 منفّذ "براكاج" بالأسلحة البيضاء روّعوا أهالي هذه المنطقة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العاملات في القطاع الفلاحي: معاناة واستغلال متعدد الأبعاد في ظل عدم مبالاة من أجهزة الدولة وغياب جدي للرقابة
نشر في باب نات يوم 23 - 10 - 2017

- تحقيق من إعداد راقية السالمي ودرة بن عبد القادر وبهيجة بلمبروك - وات -
"ذات يوم في مستهل سنة 2017 انقلبت حياتي رأسا على عقب بعد انقلاب الشاحنة التي كانت تقلني ومجموعة من النساء العاملات إلى إحدى الضيعات الواقعة في ولاية منوبة. هذا الحادث، تقول "عائشة" (اسم مستعار) وضع حدا لآمالي في أن يتم أبنائي الخمسة دراستهم، وانهارت أحلامهم في تغيير أوضاعهم والخروج من دائرة الفقر، بعد أن فقدت القدرة على الحركة جراء هذا الحادث، وأمسيت مقعدة لا قدرة لها على العمل، وبت عالة على أسرة كنت أنا من يعيلها في ظل عجز زوجي المسن والمريض عن توفير لقمة العيش لأسرته.
غابت عن عائشة تفاصيل صورة الحادث الذي انقلبت خلاله الشاحنة التي تقلها ومجموعة من النساء من الزويتينة بالبطان في اتجاه المزرعة التي كانت تعمل بها ولكنها تقول " كان المشهد مرعبا بأتم ما في الكلمة من معنى، ولم أع مدى خطورة الحادث إلا بعد أن وجدت نفسي بين عشية وضحاها طريحة الفراش ولا يمكنني المشي أو تحريك يدي، وأصبحت في تبعية تامة ودائمة".
قصة عائشة تختزل معاناة 32 بالمائة من النساء في تونس الناشطات كعاملات في القطاع الفلاحي، وهي تميط اللثام عن الاستغلال متعدد الأبعاد الذي تتعرض له آلاف النساء العاملات في هذا المجال والمخاطر التي تتهددهن.
ويكشف هذا التحقيق الاستغلال متعدد الابعاد الذي يمارسه الفلاحون والسماسرة على النساء العاملات في القطاع الفلاحي، والتمييز على أساس النوع الاجتماعي المسلط عليهن، بالإضافة إلى الأخطار المهنية المحدقة بهن، كل ذلك وسط عدم مبالاة من أجهزة الدولة وغياب جدي للرقابة.
1- معاناة متعددة الأبعاد والضحية واحدة
طول ساعات العمل كانت "عائشة" وجارتها "تونس" (اسم مستعار)، تسريان قبل انبلاج الفجر، غير مباليتين لا ببرد الشتاء القارس وأمطاره المتهاطلة ولا بقر الصيف الحارق، في اتجاه المكان الذي تتجمع فيه العاملات الفلاحيات والذي يقع على بعد زهاء ثلاث كيلومترات من مقر إقامتهن، وهناك ينتظرن قدوم سيارة "السمسار" لتقلهن إلى إحدى مزارع ولاية منوبة أو الولايات المجاورة.
خطت أشعة الشمس الحارة ولفحات البرد الشديد على وجه "تونس"، كما على وجه "عائشة" المقعدة آثارهما في شكل تجاعيد تقوم شاهدا على معاناتهما وتعبهما الذي تواصل على مدى سنين طوال بين حقول كبار المزارعين وسيارات السماسرة، وتدلل على ما كابدته المسكينتان، طيلة أعوام عديدة من شقاء وحرمان.
وتعمل قرابة نصف مليون امرأة في القطاع الفلاحي في تونس من بينهن أكثر من 450 ألف امرأة يعملن في المستغلات الفلاحية الصغرى، وفق احصائيات وزارة التكوين المهني والتشغيل.
ساعات العمل في القطاع الفلاحي تمتد من الساعة الرابعة والنصف صباحا إلى حدود الخامسة مساء، وهي فترة تتجاوز مدة العمل المسموح بها في القانون الذي ينص على تسع ساعات يوميا كما جاء في مجلة الشغل التي تؤكد على أن عدد ساعات العمل بالمؤسسات الفلاحية محدد ب 2700 ساعة عمل في السنة باعتبار ثلاث مائة يوم عمل وتقر بحق العامل في راحة أسبوعية، وساعات إضافية.
وفي المقابل، أكدت جميع من التقتهن معدات التحقيق أنهن يعملن طوال أيام الأسبوع دون انقطاع، وعلى مدى أكثر من إحدى عشرة ساعة يوميا على اعتبار أن العمل الموسمي في الجني أو البذر أو غيره قد يتأثر بتوقف العمل، ولا يتقاضين مقابلا للساعات الاضافية.
وتؤكد آخر الإحصائيات أن 99 بالمائة من نساء الأرياف يعملن في القطاع الفلاحي لأكثر من 9 ساعات، في جني الخضر الموسمية والزيتون والغلال بمقابل مادي لايتجاوز 11 دينارا في اليوم، بالإضافة إلى غياب التغطية الاجتماعية والتنقل في وسائل نقل مكتظة ومحفوفة بالمخاطر.
2-انعكاسات صحية واجتماعية وخيمة للعمل في الحقول على أوضاع المرأة
"عائشة" المقعدة كما غيرها من العاملات في الفلاحة، كل لها قصة ومعاناة متعددة الأبعاد مع العمل في المزارع، غير أن الظروف الاجتماعية تدفع هؤلاء النسوة للعمل دون كلل أو ملل، ودون مراعاة للمخاطر المحدقة بصحتهن، سواء جراء الحوادث، أو بسبب المبيدات الحشرية الفلاحية، أو بعض الأدوية المستعملة في الحقول.
وفي حين ظلت الحسرة تنغص حياة "تونس" بسبب انقطاع أبنائها الثلاثة عن دراستهم قبل بلوغ السنة السادسة ابتدائي، وتعتبر نفسها المسؤولة عن فشلهم وهي المجبرة على تركهم بمفردهم يوميا لساعات طوال، دون راحة أسبوعية، خاصة بعد تعكر الحالة الصحية لزوجها المسن، تعاني ف م (رفضت الكشف عن اسمها)، وهي امرأة في الأربعين من عمرها، مشاكل عائلية جدية مع زوجها جراء فقدانها تدريجيا لحاستي الذوق والشم بسبب المبيدات التي تستعملها في الضعية التي تعمل بها.
فقدان هاتين الحاستين يتفاقم تدريجيا مما جعلها لاتتذوق الطعام جيدا، وهو ما فتح المجال واسعا للشجار المتكرر مع زوجها، وأمست في نكد متواصل معه مما أثر سلبا على أبنائها ومردودهم الدراسي، حسب روايتها.
وتفيد دراسة للوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية على المنتجات تم انجازها سنة 2003 حول تأثيرات المبيدات الحشرية على الصحة أن هذه المبيدات تحتوي على مواد فاعلة تستعمل في العديد من القطاعات كالفلاحة و الصحة وغيرها.
وأكدت الدراسة أنه ينجر عن هذه المبيدات واستعمالها غير الواعي وغير المراقب تداعيات خطيرة على صحة الانسان، وعلى التوازن البيولوجي وأيضا على البيئة حيث يتواصل وجود بعض المبيدات الزراعية لفترة طويلة بعد الاستعمال ويتحول من محيط إلى آخر إما بطريقة سلبية كالتبخر والاستنشاق أو بطريقة فاعلة بيولوجية كالغذاء وغيره على غرار مادة " ددت " التي يبقى أثرها لسنوات من منع استعمالها في التربة وفي المواد الزراعية وحتى في جسم الانسان.
ومن بين المخاطر التي تظهر على صحة الانسان وخاصة لدى المستعملين المباشرين للمبيدات مثل الفلاح والعامل الفلاحي والبائع و الصناعي وأيضا لدى المستهلك، حالات التسمم و الإصابات الموضعية وإصابات على مستوى الجهاز التنفسي و التسمم العصبي على مستوى القلب والشرايين والغدد الصماء.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فان حالات التسمم الخطيرة، تصل إلى 3 مليون حالة في السنة، وينجر عنها 220 الف حالة وفاة، كما يصاب حوالى 750 الف شخص سنويا بمرض مزمن كالسرطان بعد التعرض للمبيدات الزراعية.
وفي هذا السياق، أفادت الدكتورة كوثر الحجيج كاهية مدير بمعهد الصحة والسلامة المهنية ، أن العاملات والعاملين في القطاع الفلاحي عرضة للعديد من الأمراض على غرار الأمراض الجلدية وأمراض التنفس والصدرية بسبب تعرضهن أثناء الأعمال الفلاحية للمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية المستعملة لمداواة الغراسات ولملامسة بعض الحيوانات.
كما تتعرض المرأة العاملة في القطاع الفلاحي إلى أمراض تتعلق بالصحة الانجابية بسبب طول المدة التي تقضيها في العمل وهي في وضعية وقوف مما قد يتسبب لها في الاجهاض، بالإضافة الى صعوبة المراقبة المستمرة للحمل بسبب طول ساعات العمل وقساوة ظروفه.
كما لفتت الحجيج إلى حوادث المرور التي تتعرض لها شاحنات نقل العاملات في القطاع الفلاحي وما ينجر عنها من أمراض خطيرة قد تصل حد الإعاقة، معتبرة أن ظروف عمل المرأة في هذا المجال في مجملها غير انسانية ولا تحترم كرامة وانسانية العاملات اللاتي يتم نقلهن في الكثير من الأحيان واقفات وبشاحنات مكشوفة تجعلهن عرضة لحر الصيف وبرد الشتاء بأمطاره المتهاطلة مما قد يتسبب لهن في الاصابة بعدد من الأمراض على غرار التهاب المفاصل "الروماتيزم" وأمراض العظام.
وأكدت زينب المانسي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للفلاحين أن المرأة العاملة في القطاع الفلاحي عرضة للمخاطر الصحية جراء استعمال المبيدات مما دفع النقابة إلى التقدم بمسودة مشروع قانون سيتم طرحه على لجنة الفلاحة والمالية بمجلس نواب الشعب من أجل سن قانون لحفظ كرامة المرأة في الوسط الريفي.
3- التمييز في الأجر
وتؤكد "تونس" أنه في الوقت الذي تحصل فيه هي على 11 دينارا، يتقاضى الرجل العامل أكثر من 15 دينار وأحيانا أخرى أكثر من عشرين دينارا على نفس العمل الذي تقوم به هي خاصة خلال موسم جني الزيتون الذي أوشك على الحلول، مؤكدة أن أصحاب المزارع أو السمسار الذي يتولى خلاص أجرتهن لا يحتسب البتة ساعات العمل الاضافية .
وأكدت بعض العاملات اللاتي التقتهن معدات التحقيق في جهة تبرسق وهن ينتظرن سيارة الوسيط الذي جلب لهن الشغل بإحدى ضيعات العنب بجهة السلوقية من معتمدية تستور، أن ثلاثة أرباع العمل وسط الضيعة تقوم به النساء في حين أن الرجال يتقاضون أكثر منهن على نفس العمل المنجز.
وفي حين توكل للمرأة مهام الجني في 64.5 بالمائة من الحالات وبنسبة 78 بالمائة في مقاومة الأعشاب الضارة والبذر في الضيعات الخاصة، بحسب دراسة لجمعية النساء الديمقراطيات، إلا أن أجورهن لاتتجاوز في أحسن الحالات 11 دينارا نتيجة لعملية السمسرة التي يقوم بها أصحاب الشاحنات الذين يتعاقدون مع كبار الفلاحين على توفير يد عاملة نسائية بأجرة يومية بستة عشر دينارا عن الواحدة ليستقر باقي المبلغ في بطون السماسرة .
وفي المقابل يؤكد المهندس المشرف على ضيعة بلاغة أنه يسلم السمسار 16 دينار على كل عاملة وأنه لايعلم ما يسلم هو للنساء .
هذه الممارسات تتعارض ومقتضيات المواثيق الدولية الضامنة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية واتفاقية منظمة العمل الدولية والاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" ومجلة الشغل والاتفاقية الاطارية المشتركة في القطاع الفلاحي بين الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري لسنة 2015 ويذكر أن الفصل الثاني من الأمر الحكومي عدد 669 لسنة 2017 المؤرخ في 5 جوان 2017 المتعلق بضبط الأجر الأدنى الفلاحي المضمون ينص على أن " يضبط الأجر الأدنى الفلاحي المضمون للعمال من الجنسين البالغين من العمر 18 سنة على الأقل 13.736 دينار عن كل يوم عمل فعلي"، كما تنص مجلة الشغل في الفصل الخامس مكرر منها على أنه " لايمكن التمييز بين الرجل والمرأة في تطبيق أحكام هذه المجلة والنصوص التطبيقية لها " بما فيها تحديد الأجر.
لوبيات رحلات الرعب التي يتزعمها السماسرة تحصد أرواح العاملات في القطاع الفلاحي
تؤكد "عائشة" و "تونس" أن المعاناة والإهانة تبدأ قبل أن تطأ أرجل العاملات وسيلة النقل حيث يعمد السماسرة وأصحاب سيارات نقل العاملات إلى سكب المياه أو فضلات الحيوانات في عربة الشاحنة لإجبار النساء على البقاء واقفات للتمكن من نقل أكبر عدد ممكن في رحلات نقل العاملات بين ضيعات نفس الولاية، أو بين الولايات المتجاورة، وقد تطول لمسافة تتجاوز 100 كيلومتر، خاصة خلال المواسم الفلاحية الكبرى على غرار جني الزيتون والبطاطا والطماطم وغيرها.
" رحلات الرعب" غير مريحة البتة ، حسب توصيف عدد من العاملات، وتعرض حياتهن في كل مرة للخطر، لا سيما وأن الضيعات الفلاحية تقع حتما خارج المناطق البلدية حيث الطرق غير المعبدة والفرعية، بالاضافة إلى الحالة المهترئة لوسائل النقل التي توشك في كل مرة على الانقلاب خاصة بسبب قيادتها بسرعة كبيرة، وتقول " رعب الطريق نعانيه يوميا ذهابا ومجيئا وقد تسببت عديد حوادث انقلاب الشاحنات التي تقل العاملات في عاهات وإصابات متفاوتة الخطورة للبعض".
وعلى الرغم من مرور عشرة أشهر عن انقلاب الشاحنة التي كانت تقل "عائشة" إلا أن السيناريو يعيد نفسه فبين الفينة والأخرى ترد أخبار عن حوادث لشاحنات خفيفة تقل العاملات في القطاع الفلاحي وآخرها يوم 16 أكتوبر 2016 حيث انقلبت سيارة تقل 34 عاملة تراوحت إصاباتهن بين الخفيفة ومتوسطة الخطورة، في الوقت الذي يراوح فيه مشروع الاتفاقية حول نقل العاملات في القطاع الفلاحي مكانه .
وتقر وزارة شؤون المرأة بالظروف الصعبة وغير اللائقة التي تواجهها النساء العاملات في القطاع الفلاحي ولاسيما ظروف النقل غير المحمي وما ينجر عنها من حوادث سير متواترة وخطيرة وقاتلة في معظم الحالات، وبما تخلفه هذه الحوادث التي يذهب ضحيتها، حسب الوزارة، أمهات ونساء من مختلف الفئات العمرية، من آثار سلبية على المستوى الاجتماعي والإقتصادي لأسر الضحايا.
وتفيد دراسة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة أعلنت نتائجها خلال أوت 2016، أن 10. 3% من العاملات في الأرياف ضحايا حوادث شغل وأن 21.4% معرضات لمخاطر حوادث الشغل خاصة وأن 62.3 % يعملن في ظروف صعبة و18.8% يعملن في ظروف صعبة جدا.
وأثبتت الدراسة التي شملت ولايات سليانة ونابل والقصرين والمهدية وجندوبة، أن أعمار العاملات في الأرياف تتراوح بين 16 و82 سنة وتصل نسبة الأمية في صفوفهن إلى 40% مقابل 6.2% متحصلات على شهادة تعليم عال.
وحسب إحصائيّات قدّمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ عدد ضحايا حوادث المرور التي تعرّضت إليها العاملات في قطاعي الصناعة والفلاحة بلغ، سنة 2015 ، 98 عاملة (85 جرحى و7 حالات وفاة) ليرتفع هذا العدد سنة 2016 إلى 112 ضحية (107 جرحى و5 وفيات) جدّت أغلبها في جهات الشمال الغربي والقيروان وأرياف الساحل وزغوان.
واقترحت الكاتبة العامة للجامعة الوطنية للفلاحات، ناجية بن زايد، إحداث لجان جهوية تتكون من سلط أمنية وإدارات جهوية للنقل وشركات تامين لمتابعة عملية التنقل، داعية إلى تنقيح القانون عدد 33 المتعلق بتنظيم النقل البري وعرضه على أنظار مجلس نواب الشعب.
وطالبت وزارة الداخلية بتكثيف المراقبة على الطرقات للتصدي للنقل العشوائي للعاملات في القطاع الفلاحي، وإحداث صنف جديد من النقل يطلق عليه اسم النقل الفلاحي يعنى بنقل العاملات في القطاع، ومراعاة خصوصية القطاع الفلاحي من حيث تباعد الضيعات عن الطرق الرئيسية، والحالة المتردية للمسالك الفلاحية، فضلا عن تقديم الامتيازات للفلاحين الراغبين في الانخراط ضمن برنامج نقل العمال والعاملات.
وتحدثت عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنيىة للفلاحين، زينب المانسي، عن وجود شبكات كاملة للنقل الريفي تقوم بنقل النساء الفلاحات من وإلى الضيعات الفلاحية، وهي شبكات في تكاثر مستمر، حسب قولها ، تعمل بتنظيم محكم وبتمويل خاص، معتبرة أن في ذلك نوعا من "العبودية والرق"، على حد قولها، خاصة عند السماح لهذه الفئة بتحقيق الربح على حساب المرأة الريفية الكادحة في صمت.
وأكدت أن قانون القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة لم يستوعب مأساة المرأة الريفية الفلاحة، داعية إلى سن قانون يحفظ كرامة المرأة الريفية بالنسبة للتنقل بين الضيعات.
غياب التغطية الاجتماعية
وعلى الرغم من أن الفصل عدد 94 من مجلة الشغل ينص على أن العاملين لوقت جزئي في القطاع الفلاحي يخضعون لنظام الضمان الاجتماعي ونظام جبر الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية وفقا للتشريع الجاري به العمل، غير أن "عائشة" وغيرها من النسوة العاملات في القطاع الفلاحي، ممن التقتهن معدات التحقيق أكدن أنهن لا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية، وفي حالة تعرضهن إلى حادث فإن علاجهن يكون على حسابهن الشخصي .
تجد "عائشة" نفسها مقعدة بعد الحادث ولا من معيل لتنضاف إليها مصاريف علاج لا تعرف حد الساعة كيف ستؤمنها وهي التي لم تشملها التغطية الاجتماعية، ولم تكن الشاحنة التي تقلها مؤمنة حتى تضمن أن يصرف لها تعويض، أو أن تعالج مجانا على اعتبار أن الحادث حادث شغل لاغير.
وتفيد احصائيات وزارة المرأة والأسرة والطفولة أن 12 بالمائة فقط من العاملات في القطاع الفلاحي يتمتعن بالتغطية الاجتماعية في حين أن 99 بالمائة من المقيمات في المناطق الريفية يعملن في مجال الفلاحة.
وكانت الكاتبة العامة للجامعة الوطنية للفلاحات صلب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، ناجية بن زايد، قد أكدت أن المرأة في الوسط الريفي لا تتمتع بالتغطية الاجتماعية وأن 80 بالمائة من النساء الريفيات تعملن دون عقود عمل خلال فترة العمل الموسمي ودون راحة أسبوعية.
وأكدت بسمة الحمروني ادريس مديرة الإحاطة بالمرأة الريفية بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أن النساء في الريف مازلن مقصيات من الحماية الاجتماعية بسبب عدم ملاءمة القوانين الجاري بها العمل لأوضاعهن ولطبيعة عملهن، مشيرة إلى أن المرأة الريفية تعاني على المستوى الاقتصادي من ارتفاع نسبة البطالة التي تساوي ضعفي نسبة بطالة الرجال وتصل في بعض المناطق إلى ثلاثة أضعاف.
ولايوجد في المناطق الريفية، حسب الحمروني، سوى 19.3% من النساء لهن مورد رزق خاص بهن (الرجال 55.9 %) و4% فحسب يمتلكن عقارا (الرجال 12%) وأكدت أنه بسبب ضعف النسيج الاقتصادي وعدم تنوّعه ونقص فرص التكوين المهني المِؤهّل، يظل القطاع الفلاحي المشغل الرئيسي للنساء في المناطق الريفية ولكن في ظروف غير مناسبة، ولا تراعي معايير العمل اللائق إذ أن أغلبية الناشطات في القطاع الفلاحي هن معينات عائليات عملهن غير محتسب لأنه غير مدفوع الأجر، بالإضافة إلى الاعتماد على نظرة قطاعية في التنمية.
الرقابة تكاد تكون منعدمة
وفي البحث عن أسباب تواصل هذه التجاوزات في حق المراة الريفية، أفادت المتفقد المركزي للشغل بالإدارة العامة لتفقدية الشغل والمصالحة بوزارة الشؤون الاجتماعية هاجر بن قمرة، أن عمليات تفقد العاملات في القطاع الفلاحي " تكاد تكون منعدمة إن لم نقل مستحيلة"، حسب قولها.
وأضافت، في هذا السياق، أن عددا من أصحاب الضيعات العاملين بطرق غير منظمة وغير مهيكلة لا يمكن تفقد طرق تسييرهم للضيعات بسبب عدم تواجدهم خلال عمليات التفقد بما يعني عدم التمكن من التنبيه عليهم بشأن الاخلالات المسجلة من قبل أعوان التفقديات المحلية خلال عمليات التفقد فضلا عن تعمدهم إخفاء العاملات والعاملين بضيعاتهم لمنعهم من الحديث عن ظروف عملهم ونقلهم وإبلاغ تشكياتهم.
كما تتحفظ بعض العاملات، وفق نفس المتحدثة، عن الحديث بشأن ظروف عملهن وأشكال الاستغلال التي يتعرضن لها وما يحيط بها من إخلالات خوفا من فقدان عملهن، مؤكدة أنهن يقبلن بتلك التجاوزات وذلك الاستغلال مجبرات، ويفضلنه على فقد مورد رزقهن الوحيد، فهن يقعن بين مطرقة استغلال السمسار الذي سيعاقبهن اذا ما تحدثن عن ظروف النقل، وسندان صاحب الضيعة إذا ما تطرقن إلى مسألة الأجر أو طول ساعات العمل وغياب التغطية الاجتماعية وغياب المعايير الصحية.
ولفتت المتفقد المركزي، هاجر بن قمرة، إلى أن فرق تفقديات الشغل تبقى عاجزة عن الدفاع عن حقوق المرأة العاملة في القطاع الفلاحي رغم تعدد القوانين والتشريعات لحمايتها، داعية، في هذا الاطار، إلى التسريع بتنقيح قانون النقل، من جهة، لحماية الفلاحات والعاملات بشكل عام من حوادث الطرقات، ومن جهة أخرى، لتمكين فرق التفقد من تنسيق العمل مع الناقلين وتنظيم عملهم.
ولاحظت أن مثل هذه الاجراءات ستساهم في القضاء على السماسرة الذين يتمعشون من عرق النساء، ومن العاملين بطرق غير منظمة وهو ما يتسبب في حوادث اليمة للعاملات تجابه بالتستر بفعل التجاوزات التي تتعرض لها العاملات على غرار ما حدث مع "عائشة" التي مازالت طريحة الفراش مقعدة دون سند.
المؤسسات المعنية بالملف لازالت في طور وضع البرامج
ونظرا للظروف الصعبة وغير اللائقة التي تواجهها النساء العاملات في القطاع الفلاحي ولاسيما ظروف النقل غير المحمي وما ينجر عنه من حوادث سير متواترة وخطيرة وقاتلة في معظم الحالات، وما تخلفه من ضحايا هن أمهات ونساء من مختلف الفئات العمرية، ومن آثار سلبية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي لأسر الضحايا، قامت وزارة المرأة والأسرة والطفولة في سنة 2016، بالتعاون مع مختلف الأطراف المتدخلة، بابرام اتفاق برتكول، يوم 14 أكتوبر 2016، حول نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي، ينص على وضع كراس شروط ينظم نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي .
كما طلبت، بالاتفاق مع الهياكل الحكومية والمنظمات المعنية، من وزارة النقل بإحداث صنف جديد من النقل، ضمن القانون عدد 33 لسنة 2004 المؤرخ في 19 أفريل 2004 المتعلق بالنقل البري، يعنى بنقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي، على أن يتم ضبط أساليب إسناد رخصه، وطرق تجديد بطاقات استغلاله.
وتم اعتماد استراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء في المناطق الريفية 2017/2020 تمت المصادقة عليها خلال مجلس وزاري بتاريخ 8 مارس 2017، بالاضافة الى عملها حاليا على إعداد استراتيجية إعلامية لحشد الدعم لتيسير انتفاع المرأة الريفية بظروف العمل اللائق بما في ذلك التمتع بالأجر العادل، والتغطية الاجتماعية للحماية من المخاطر، ومن الأمراض المهنية جراء النقل وطول ساعات العمل، فضلا عن عملها على إعداد خطة عمل للنهوض بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للنساء في الوسط الريفي .
وأفادت نرجس الحمروني ادريس مديرة الإحاطة بالمرأة الريفية بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أن العناية بالمرأة الريفية تأكدت ضمن مخطط التنمية 2016 - 2020 من خلال إحداث لجنة التنمية الريفية والنوع الاجتماعي والمرأة أوكلت لها مهمة صياغة برامج تهدف إلى مزيد النهوض بأوضاعها وتمكينها اقتصاديا واجتماعيا، مشيرة إلى أنه تم إعداد إستراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في المناطق الريفية للفترة 2017 - 2020 المفارقات الكبرى في وضعية المرأة في تونس ومع تلك المخاطر المحدقة تقبل المرأة الريفية مجبرة بالعمل تحت إمرة السماسرة، ويقبل الفلاح العمل بواسطة الوسطاء، لا لشيء إلا لأنه يضمن للعاملة في الفلاحة استمرارية العمل في عدد من الضيعات في الجهة أو المناطق المجاورة، ويؤمن للفلاح توفر اليد العاملة ويعفيه من عناء البحث عنها في المناطق النائية.
هذا هو حال المرأة في الريف، تشتكي من أجر زهيد مقابل أعمال مضنية، وتفتقر للرعاية والإحاطة، وتعيش وضعية كارثية في بلد تؤكد أغلب التقارير أن المرأة فيه تعامل أحسن معاملة ولها حقوقها كاملة ، حيث احتلت تونس سنة 2013 المرتبة السادسة في تصنيف أحسن الدول العربية في معاملتها للمرأة، ويبدو أن هذا التصنيف لم يشمل المرأة الريفية ومعاناتها.
وتظل المرأة في الأرياف المنسية والبعيدة مجرد أرقام واحصائيات تبرز مناسباتيا لاستغلالها في محطة ما كالانتخابات مثلا، إذ تبرز للعلن ويكثر الحديث عنها وعما سيتحقق لفائدتها وفائدة عائلتها، وبمجرد انقضاء هذه المحطات تعود الى العتمة ويتم التعتيم عن واقعها الذي لا تعرف قساوته غيرها هي وعائلتها.
ف"عائشة" و"تونس" وغيرهن من العاملات في القطاع الفلاحي، قادهن قدرهن إلى امتهان العمل الفلاحي إذ غادرن مقاعد الدراسة على عجل، هن لايعنيهن تاريخ 8 مارس الموافق لليوم العالمي للمرأة ، ولا تاريخ 15 أكتوبر الذي يصادف اليوم العالمي للمرأة الرّيفيّة في شيء، ولا تعنيهن الاحتفالات بهذين اليومين، بقدر ما يشغل بالهن تحصيل قوتهن اليومي.
تحقيق من إعداد راقية السالمي ودرة بن عبد القادر وبهيجة بلمبروك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.