لا يخفى عن اثنين مدى تملك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لملكة الخطابة واللعب بالكلمات مركزا ،في خطابه الذي دام 50 دقيقة بالتمام والكمال تحت قبة باردو أمام نواب البرلمان وعدد كبير من وسائل الإعلام على اختلاف محاملها، على انتقاء التعابير و الالفاظ التي تمس عاطفة التونسيين ومشاعرهم، باعثا بين الحين والآخر رسائل ضمنية تحمل دلالات سياسية . ولئن مست كلماته التي تغص بالمشاعر الفياضة نفوس التونسيين إلا أنها لم تعميهم عن حاجتهم الماسة للدعم المادي الملموس للخروج عن أزمتها مدركين تمام الإدراك أن تونس لم تعد في حاجة إلى النصائح السياسية و دروس التسيير الديمقراطي. وبدأ ماكرون، الأربعاء، زيارة دولة إلى تونس تستغرق يومين، هي الأولى له منذ توليه الرئاسة الفرنسية في ماي الماضي، لتكون بذلك تونس الدولة الثالثة في منطقة شمال أفريقيا التي يزورها بعد المغرب والجزائر. ورافق الرئيس الفرنسي في هذه الزيارة التي تندرج في إطار جولة ستقوده إلى السينغال، وزير الخارجية جان إيف لودريان، ووزير الاقتصاد والمالية برونو لومير، ووزير التربية جان ميشيل بلانكيه، ووزيرة التعليم العالي والبحث والتجديد فريديرك فيدال. وقالت السفارة الفرنسية بتونس إن وفدا من رجال الأعمال يمثلون 20 شركة فرنسية، رافق ماكرون في زيارته إلى تونس، بهدف الاطلاع على آفاق السوق في البلاد ونسج علاقات شراكة مع رجال الأعمال والمؤسسات التونسية. هذا وقد أجرى ماكرون خلال هذه الزيارة سلسلة من المحادثات مع كبار المسؤولين التونسيين، يتقدمهم الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس البرلمان محمد الناصر، إلى جانب البعض من السياسيين ونشطاء في المجتمع المدني وعدد من رجال الأعمال. وتمحورت تلك المحادثات حول واقع العلاقات الثنائية بين فرنساوتونس، وسبل تطويرها لتشمل مجالات جديدة، كما تم خلالها أيضا تبادل الآراء ووجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وخاصة منها تطورات الوضع في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء الأفريقية. وعلقت تونس آمالا كبيرة على هذه الزيارة بالنظر إلى أبعادها السياسية والاقتصادية، وتداعياتها الإقليمية ارتباطا بالملف الليبي الذي يُقلق تونس، بقدر ما يُقلق فرنسا أيضا التي لا تخفي انزعاجها من تزايد تدفق المهاجرين عليها وعلى أوروبا انطلاقا من السواحل الليبية إلى جانب استمرار التهديدات الإرهابية. وفي خضم هذا الشأن، اعتبر متابعو الشأن السياسي أن زيارة ماكرون لتونس تعكس متانة العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين، لافتين إلى أن تونس تُعول على فرنسا لأن تكون شريكا فاعلا عبر الوقوف إلى جانبها في هذه المرحلة الدقيقة، وخاصة لجهة دعمها ومساعدتها على مواجهة التحديات على الصعيد الاقتصادي، وبالتالي تمكينها من الموارد التي من شأنها تحقيق التنمية التي تبقى العامل الأساسي القادر على حماية الانتقال الديمقراطي في البلاد. هذا ودعت عديد الأطراف السياسية فرنسا إلى التعاطي بإيجابية فيما يتعلق بالديون التونسية، وذلك من خلال طرحها أو على الأقل تحويلها إلى استثمارات، لافتا في هذا الصدد إلى أن السلطات الفرنسية سبق لها وأن وعدت تونس بإعادة جدولة ديونها وتحويل جزء منها إلى استثمارات. وتأتي هذه الدعوة، فيما أكد الرئيس الفرنسي قبل وصوله إلى تونس أن بلاده ستُحافظ على التزاماتها تجاه تونس بمنحها 1.2 مليار يورو على مدى خمس سنوات، مشيرا إلى أن شركاء آخرين ملتزمون أيضا بدعم تونس، منهم الاتحاد الأوروبي الذي تعهد بتقديم 300 مليون يورو سنويا لتونس في شكل هبات لتمويل برامج تنموية في البلاد.