يخيّم الرهان على الرئاسيات على الأجواء ويضغط على الحسابات، وخاصة مع احتفاظ بعض المرشحين المحتملين بنوع من "الغموض الإستراتيجي"، و من المتوقع أن تزداد الأوضاع تعقيدا بضغط الانتخابات البلدية، والتي تكمن خطورتها ليس فقط في نتائجها الخاصة وإنما فيما توحي به بالنسبة لاستحقاقات 2019 التشريعية والرئاسية. و تظهر قراءة حراك المشهد السياسي نوعا من الحملة الانتخابية السياسية السابقة لأوانها تفجرت بطرق مختلفة وملتوية لكسب نتائج الانتخابات البلدية تمهيدا للفوز بنتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في خريف 2019. وطبعت الفوضى تحركات السياسيين ونشاطاتهم خلال الاشهر الاخيرة، وأربكت أحلامهم في الوصول الى السلطة حتى تذبذبوا بين العمل على كسب الرهان البلدي و الانخراط في موسم السباق نحو رئاسيات 2019، السابق لأوانه. فاختلف أسلوب كل سياسي، بين الاستثمار في التحركات الاحتجاجية، وانتقاد الحكومة وشيطنة الخصوم السياسيين، ولفت الانظار واثبات الوجود، وشرعوا في العمل على تحصيل أكبر دعم من الاصوات و الانتشار في مختلف الولايات لحشد الناخبين ومغازلتهم. و قال مراقبون إن زعماء الأحزاب في تونس يسعون إلى تحويل وجهة الانتخابات البلدية القادمة إلى جسر آمن لكسب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فيما رأى أخصائيون في العلوم السياسية إن مراهنتهم تستبطن استخفافا بالناخبين وغير مضمونة أصلا. و يرى خبراء في الشأن السياسي ان النسق التصاعدي الذي اخذه نشاط عدد من القيادات السياسية وما رافقه من تصعيد سواء على مستوى الأداء أو على مستوى الخطاب والحضور الإعلامي، يؤشر على أن تلك القيادات باتت عيونها على قصر قرطاج. ويشدد أخصائيون في العلوم السياسية على أن طبيعة الحراك السياسي الذي لا يخلو من مزايدات سياسوية على الأرض وفي منابر وسائل الإعلام وتجاهل ازمة البلاد، تؤكد ان الوصول إلى قصر قرطاج بات يتصدر اهتمامات الزعماء. وقال عبدالفتاح الهمامي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية والناشط في المجتمع المدني "كل هذا التجاهل للأزمة الخانقة وكل هذه الانسحابات من وثيقة قرطاج وما رافقها من تكتل ومن خطاب سياسي تصعيدي، هو تمهيد للفوز بالرئاسة". و على الرغم من الاختلافات العميقة بين زعماء تونس فإنه يجمعهم خيط مشترك يتمثل في غياب رؤية برامجية تؤهلهم لكسب ثقة الناخبين لذلك يقلل الخبراء من حظوظهم. ويقول حسن بلخوجة الأخصائي في علم الاستراتيجيات "إن مراهنة عدد من الزعماء على الاستحقاق البلدي كجسر للفوز بالانتخابات الرئاسية غير مضمونة" مشيرا الى أن "تعقيدات الأوضاع افرزت اتجاهات راي عام متذبذبة بل وساخطة على السياسيين". ويضيف بلخوجة في تصريح إعلامي "مهما كانت نتائج الانتخابات البلدية ومهما كانت شراهة الزعماء للحكم فإن كل الاحتمالات والمفاجآت متوقعة بالنسبة للرئاسية في ظل ناخبين لا يثقون كثيرا في زعماء الأحزاب السياسية". ويشير مراقبون إلى ان أغلب الشخصيات السياسية التونسية يتوهمون أنهم زعماء وأن بإمكانهم الوصول إلى كرسي الحكم بسرعة، ويلفتون الى أن حالة من الخوف من الفشل وعدم إحراز مكاسب حقيقية دفع بعضهم الى اطلاق حملاتهم منذ أشهر.