قراءات سياسيّة بمناسبة الانتخابات البلدية: تحديات حقيقيّة أمام الحزب الحاكم والإدارة والمعارضة بقلم:خالد الحدّاد انطلقت الأحد 11 أفريل 2010 أولى مراحل الانتخابات البلدية المقرّر إجراؤها يوم 9 ماي المقبل بفتح باب الترشحات لعضوية المجالس البلدية للخمس سنوات المقبلة ، وقد استعدّت مختلف الأطراف لهذا الموعد منذ فترة وستكشفُ الساعات والأيام القليلة المقبلة حجم ما تمّ انجازه من ترتيبات وإعداد للقائمات وتأطير للمترشحين والناخبين وتوفير لمستلزمات العملية الانتخابية بجميع مراحلها انتهاء لاحقا إلى الاقتراع وفرز الأصوات وإعلان النتائج النهائيّة. وبحسب مراقبين عديدين فإنّ الانتخابات المرتقبة تحوز على أهميّة خاصة ناهيك وأنّها أوّل انتخابات في إطار الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس زين العابدين بن علي والموضوعة تحت شعار "معا لرفع التحديات" والتي تضمّنت بنودا لتعزيز المسار التعددي والديمقراطي، وقد أوضح رئيس الدولة في خطابه في ذكرى عيدي الاستقلال والسباب كون هذه الانتخابات هي محطّة هامة لتكريس الديمقراطية المحلية وتعميق التجربة التعددية في البلاد مُتعهّدا بتوفير أعلى الضمانات للشفافية والنزاهة وحياد الإدارة ، ومن المؤكّد أنّ السباق البلدي يمثّل تحدّيا كبيرا لمختلف أطراف المشهد السياسي الوطني إذ من المنتظر أن يُفرز هذا الموعد الانتخابي صورة جديدة للخارطة السياسية والحزبية في البلاد. رهان سياسي وانتخابي وأوّل التحديات مرهون إلى مدى تقدير الأحزاب السياسية لحجم هذا الرهان السياسي والانتخابي في علاقة وثيقة بالحياة اليومية للمواطن والسعي إلى الاقتراب منه والتعبير عن مشاغله ودرجة المساهمة في تعميق الديمقراطية المحلية وتنمية الحس المدني ودفع الناس إلى مزيد الاهتمام بالشأن العام والّذي من بين أبرز آلياته ووسائله المجالس البلدية. في هذا السياق يبدو أنّ الحزب الحاكم أي التجمّع الدستوري الديمقراطي وبقدر ما أنّه في وضعية مريحة من حيث الاطمئنان إلى معطى الالتفاف الجماهيري حوله وحول برامجه وتصاعد التنافس الحقيقي بين إطاراته ومناضليه من أجل الحصول على موقع ضمن القائمات الانتخابية الحمراء ، والّذي بلغ حدّ تأجيل انتخابات ثلثي القائمات في بعض الجهات ،بقدر ما أنّه يبقى حزبا مُطالبا بحسب عديدين بأن يُضاعف من مجهوداته وخططه من أجل مزيد تكريس روح الاختلاف والإيمان بالرأي الآخر بين مناضليه القاعديين وخاصة في الجهات الداخلية والقرى والمدن النائيّة ، إذ من الحقائق الّتي بدت واضحة للعيان هذا التمايز بين تجذّر تلك الثقافة على المستوى المركزي والمدن الكبرى وتناقصها في جهات أخرى. صعوبات وتحديات ماثلة على أنّ مطّلعين على ما يدور في كواليس الحزب الحاكم يرون صعوبة جمّة لقيادة الحزب لإقناع المترشحين والمناضلين في مختلف الجهات بوجاهة التعدّد والاختلاف داخل المجالس البلدية وحيويته من حيث تحقيق قدر من التوافق بين كلّ العائلات السياسية لخدمة المصلحة الوطنية ، غير أنّ عددا من هؤلاء ما يزال يتساءل عن معنى "التنازل" عن 25 % من المقاعد للقائمات المتنافسة وعن المقاييس الّتي ستُعتمدُ من قبل الديوان السياسي في ضبط الأسماء الّتي سيتمّ سحبها من القائمة المحرزة على أغلبية الأصوات. ويذهب عديدون إلى أنّ القانون الانتخابي الذي تخلّى عن نظام الأغلبية لفائدة نظام التمثيل النسبي والّذي منح القائمة المحرزة على أغلبية الأصوات حدّا أقصى من المقاعد لا يتجاوز نسبة ال75 % من مجموع المقاعد المخصّصة للدوائر البلدية الّتي تشهد تعدّدا في الترشحات كان إصلاحا مهمّا وفّر وبمبادرة رائدة من رئيس الدولة للمرور وجوبا إلى تعدّدية المجالس البلدية ، وهذا القانون نفسه وبقدر ما يُوجد تحدّيا أمام الحزب لحاكم في إقناع مناضليه ومرشحيه فإنّه وضع تحديات حقيقيّة ورهانات صعبة أمام أحزاب المعارضة حول مدى استعدادها وقدرتها على الاستفادة من هذا التشريع المتطوّر والريادي والّذي يمنحها على سبيل الذكر خلال هذا الموعد الانتخابي إمكانيات نظرية للحصول على حوالي 1100 مقعد إذا ما ضمنت حضورها ومشاركتها في مختلف الدوائر الانتخابية والتي عددها هذه المرة 264 دائرة ، وفي بعض الدوائر البلدية الّتي يُناهز عدد المقاعد بها ال10 وعدد الناخبين بها لا يتجاوز الألف يكفي إحراز قائمة منافسة للحزب الحاكم على 30 صوتا فقط للحصول على مقعدين بالمجلس البلدي. مشاركة سياسية وملامح وبرغم أنّ مقولة "المشاركة السياسية" ما تزال تُراودُ البعض من قيادات هذه الأحزاب في مثل هذه المواعيد الانتخابية في إشارة لتأكيد التواجد على الساحة السياسية فإنّ مراقبين للحراك السياسي والمجتمعي في تونس يعتقدون بأنّ تجربة العشرين سنة الماضية والتي تحوزها جلّ أحزاب المعارضة القائمة حاليا (عدا التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحزب الخضر للتقدّم) وحجم ما مُنح من امتيازات وحوافز للعمل السياسي والحزبي في تونس ماديا وأدبيا وتشريعيا يطرحُ أسئلة عميقة عن مدى تجذّر الممارسة الحزبية المعارضة في حياة التونسيين والتونسيات وكذلك عن حجم ما فعلتهُ مختلف هذه الأطر الحزبية في السعي لتأطير المناضلين وكسب المناصرين وتعزيز حضورها في مختلف الجهات وتركيز فروع لها بها، خاصة في ظلّ الأحاديث المتواصلة عن صعوبات لافتة في تشكيل القائمات الانتخابية ، إذ الأمر الآن من تحصيل الحاصل أنّه لا أحد من أحزاب المعارضة سيكون في مقدوره وربّما حتى في أفق انتخابات 2015 على تثبيت مشاركة في جميع الدوائر الانتخابية إذا ما تواصل وضعها على ما هو عليه الآن من ارتهان ثقيل لمعوّقات ذاتية مباشرة أولضغوطات غير مباشرة في علاقة بتطوّر ثقافة التعدّد والاختلاف وانتشارها إلى مختلف المدن والقرى. مشاركات وسيناريوهات وتتحدّث المصادر الحزبية المعارضة عن مشاركة مرتقبة (تقديم الترشحات في انتظار الحصول على الوصولات النهائية ) ب: - ما بين 50 و80 قائمة لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين. - ما بين 30 إلى 50 قائمة لحزب الوحدة الشعبية. - ما بين 20 إلى 30 قائمة لكلّ من الحزب الاجتماعي التحرري وحزب الخضر للتقدّم والاتحاد الوحدوي الديمقراطي. - ما بين 10 إلى 20 قائمة للتحالف بين حركة التجديد والتكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وتياري "العمل" و"الإصلاح والتنمية". ويشيرُ البعض إلى أنّه وبعيدا عن المعوّقات الموضوعية المعلومة فإنّ البعض من أحزاب المعارضة أضاع عن نفسه فرصة مشاركة أرفع لعوامل ذاتية مرتبطة بخلافات حزبية أدّت ببعض المناضلين إلى الانسحاب من الأطر الحزبية والتلويح بالمشاركة ضمن قائمات مستقلة. وعلى تلك الخلفية من المتّجه أن تكون مشاركة "القائمات" المستقلة لافتة هذه المرّة ناهيك أنّ القانون الانتخابي يُساوي بينها وبين بقية القائمات الحزبية المشاركة ويمنحها من ثمّ فرصة الحصول على بعض المقاعد. مسائل إداريّة وتشريعية بعيدا عن الرؤى الحزبية ، وبعد أن ضبطت الإدارة الجزء الأهم من تراتيب الانتخابات من تحديد للدوائر الانتخابية وعدد المترشحين وعدد مراكز الاقتراع ومراجعة للقائمات الانتخابية وتوزيع لبطاقات الناخب وما ستفعلهُ لاحقا عند تقديم الترشحات ويوم الاقتراع ، فإنّ أسئلة عددية تبقى مطروحة بخصوص توضيح مسائل متعدّدة ممّا تروّج له بعض الأحزاب السياسية وخاصة منها المعارضة من صعوبات في الحصول على بطاقة الناخب في آجالها ومن تعمّد الإدارة إسقاط قائماتها الانتخابية (مثلما تمّ ذلك بمناسبة الانتخابات التشريعية الفارطة) ، وربّما ستحتاجُ الإدارة إلى شيء من الانفتاح الإعلامي على غرار ما تمّ خلال الانتخابات التشريعية الفارطة عندما أثبتت معطيات إدارية أكّدها حينها المجلس الدستوري ونُشرت للعموم أنّ عدم تدقيق المترشحين لضوابط الترشح والآجال المتعلقة بالترسيم في القائمات الانتخابية والوقوع في الخطأ عند تعمير وملء مطبوعات الترشّح كانت سببا في سقوط القائمات وأنّ الإدارة التزمت بتطبيق حرفي ومهني لضوابط القانون الانتخابي القائم ولم تتجاوزه في أيّ اتجاه كما وعاملت كلّ المترشحين على نفس الدرجة من الحياد. ومن الوجهة القانونية والترتيبيّة فإنّ "الإدارة" في العملية الانتخابية ما هي إلاّ جهة تنفيذية لقانون انتخابي موجود وما يُحمل ربّما من هنات أو صعوبات في التراتيب الإجرائية لمختلف مراحل العملية الانتخابية وخاصة في ما يتعلّق بالترسيم في القائمات الانتخابية والحصول على بطاقة ناخب وطرائق تقديم الترشحات ، وهي مسائل أشارت إليها جلّ أحزاب المعارضة ومنها بالخصوص حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في أعقاب بلاغ صادر عن آخر اجتماع لمكتبها السياسي ، مسائل تتجاوز الإدارة إلى المشرّع نفسهُ الّذي ربّما يكون مُطالبا هو الآخر بإجراء بعض التعديلات أو المراجعات القانونية بما يُسهم في مزيد تيسير الشأن الانتخابي والمرور به إلى أفق جديد ناهيك وأنّ أخصائيي القانون الدستوري والعلوم السياسية يُجمعون على أنّ تعديل القانون الانتخابي لا يقلّ أهميّة عن تعديل أحكام الدستور لأنّ التقنيات والآليات الانتخابية وحتى البسيطة منها في نظرهم يكون لها من الانعكاس والتأثير البالغ الأهميّة على نتائج الانتخابات ومن ثمّ طبيعة تشكّل الخارطة السياسية والحزبية في بلد مّا.