يثبت المشهد الاعلامي العربي والاقليمي وجود رغبة كبيرة لدى الدول والقوى الغربية في أن تكون لكل منها محطة تلفزيونية تبث من خلالها وجهة نظرها للتأثير على الرأي العام الدولي خدمة لمصالحه وأجنداته السياسية، وتحاول هذه الفضائيات الاجنبية أن تستهدف جمهورها بمضامين إعلامية موجهة للتأثير عليها وكسب تعاطفها، بالإضافة إلى الحجم الذي تخصصه المحطة للموضوع فإن الطريقة والزاوية والخلفية ظلت مغلفة بالمصلحة السياسية والاقتصادية. يبدو طبقا لذلك أن كل الاطراف المضادة للثورة ولنشأة الديمقراطية التونسية، قد اجتمعت وتكاتفت مؤخرا من أجل ضرب صورة تونس، إذ اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية ،اليومية واسعة الإنتشار، في مقال نشرته اليوم عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بعنوان تونس انتهت، ان تزايد البطالة وضعف الأجور مقابل غلاء الأسعار كلها اسباب تضافرت لتزيد من وتيرة موجات الهجرة غير الشرعية نحو السواحل الأوروبية وتغذية الميولات الإرهابية لدى الشباب. واستشهدت الصحيفة بعبارة شاب تونسي نقلها عنه موقع المونيتور الامريكي بعد مقابلته في احد السواحل الايطالية اثر نجاح محاولته للهجرة السرية انطلقت من السواحل التونسية حيث قال تونس انتهت. واستندت الصحيفة إلى تقرير للإنتربول صدر في نوفمبر 2017 يرجح وصول 50 داعشيا تونسيا إلى السواحل الايطالية انطلاقا من الساحل التونسي وقد تمكن احد العناصر من التسلل إلى فرنسا كما اشارت إلى احصائية تؤكد منع تونس ل29 الف شاب حاولوا الهجرة سرا خلال سنة 2017 في اطار مكافحة الارهاب وأشارت اليومية البريطانية الى ان اليأس جعل من تونس منطقة عبور لا قانونية تجاوزت في ذلك حتى جارتها ليبيا حيث تشهد بعض القرى الداخلية هجرات جماعية. وقبل يوم فقط نشرت صحيفة لوموند الفرنسية، أخبارا زائفة تناولت خلالها بشكل ساخر موضوع ادراج تونس في قائمة الدول الأكثر عرضة لتبييض الاموال وتمويل الارهاب ان مصادر مقربة من البرلمان الاوربي اسرت لهم بأن مجهودات اللوبي المساند لتونس وجماعات الضغط التي نجحت الشهر الماضي في اخراج تونس غانمة من القائمة السوداء للجنان الضريبية قد فشلت هذه المرة عبر مبادرة برلمانية من اخراج تونس من قائمة اعدتها اللجنة المالية حول الدول الاكثر عرضة لتبييض الأموال واعتبرت الصحيفة انه ورغم سردية وحجة الديمقراطية الناشئة و هدايا دقلة نور وزيت الزيتون التونسي التي ارسلت للنواب فإن ذلك لم يثن اعضاء البرلمان الاوروبي عن ادراج تونس في القائمة حيث طغت الجوانب التقنية والعملية على الجانب السياسي المتعاطف مع النموذج التونسي الذي يروّج في النادي الدولي ويلتمس الدعم من الجهات العالمية المانحة. تعليقا على ذلك، أكد الديبلوماسي السابق أحمد هرقام في تصريح ل"الشاهد"، ان التعاطي الاعلامي الاوروبي مع تونس، يتتناول الاحداث تحت تأثير الموجة اليمينية الشديدة التي اكتسحت الساحة الاوروبية، وهم نفسهم الاقلية التي صوتت مع إدراج تونس في قائمة الدول الأكثر عرضة لتبييض الاموال وتمويل الارهاب. وأشار هرقام الى أن الحكومات الاوروبية واعية تماما بأن هذا التصنيف ظالم في حق تونس، وأن أقلية لا تمثل الحكومات بل أحزاب معارضة مازالت تؤمن بأن تونس مهد الارهاب. رغم ذلك، يجمع ملاحظون على أن الديمقراطية الناشئة في تونس تمشي فوق رقعة من الرمال المتحركة بخطى متثاقلة، وتسير تونس نحو استكمال مسارها الانتقال وتطبيق الدستور الذي أفرزته الثورة بثبات، ويشير مراقبون الى انه ورغم الانتقادات الواسعة لمسار الثورة، وللتعثر الاقتصادي والاجتماعي، إلا أنها فاجأت الجميع، وكانت أشهرها الأولى هي الحاسمة في مسارها، حيث اعتمدت تونس اسلوبا توافقيا، غلّب مصلحة الوطن، وقد سجل المشهد السياسي التونسي سابقة تعدّ الأولى من نوعها في المنطقة العربية بعد ثوراتها الأخيرة، مع النقل السلمي للسلطة في البلاد للمرة السادسة على التوالي في غضون 3 سنوات، بعد تسلم رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد منصبه.