ستّ سنوات انقضت على تأسيس ائتلاف ‘الجبهة الشعبية' المعارض، وعلى الرّغم من التغيرات التي شهدتها الساحة السياسية في تونس منذ ذلك الآن إلى يومنا هذا لم تغيّر الجبهة من خطابها "الضدّي" و"المعارض" لكلّ ما يأتي من منبر الحكم سواء أكان على حقّ أو على باطل، وكأنها تأسست لا لغاية إلّا لقول "لا". منذ انبعاثها في 2012، ارتبط شعار "نحن ضدّ" بالجبهة الشعبية لإصرارها في كلّ المحطات المصيرية ،أو حتى منها البسيطة، التي تمرّ بها البلاد بالوقوف عكس الجميع حتى وإن بان جليّا وواضحا للعيان خطأ اختيارها، مما أضحت تلقّب ب"المعارضة الهدّامة"، باعتبارها تعترض دون تقديم أي بدائل واقعية لحلحلة أزمات البلاد. و باتت الجبهة تقوم بحملات "ماراطونية" بشكل شبه يومي -سواء بالتصريحات أو البيانات- لشيطنة الائتلاف الحاكم وللتأثير على الرأي العام واستمالة التونسيين الى صفها من خلال اعتماد الخطابات الشعبوية الرنانة. وقد نشرت الجبهة الشعبية ، الجمعة 16 فيفري الجاري، بيانا أكدت فيه أن "الائتلاف الحاكم بقيادة حزب النهضة وحركة نداء تونس خطر على تونس وشعبها، وأن الأوضاع التي تعيشها البلاد تزداد سوء يوما بعد يوم، خاصة بعد تصنيف البرلمان الأوروبي لتونس يوم 6 فيفري الحالي ضمن القائمة السوداء للبلدان الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب". واعتبرت الجبهة، في نص بيانها، أن هذا التصنيف جاء نتيجة لما تعرفه البلاد من تدهور على كافة المستويات، ومنها تفشي الفساد والرشوة والتهرب الجبائي والتهريب وسيطرة مافيا محلية مرتبطة بدوائر الفساد والنهب في العالم على كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية في تونس، محملة ما وصفته بالائتلاف الرجعي الحاكم المسؤولية كاملة لما آلت إليه الاوضاع. وجددت الجبهة الشعبية في ذات البيان إدانتها لما وصفته ب"الفضيحة التى قام بها ائتلاف النهضة والنداء في علاقة بمشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتبرت أنه مؤشر اضافي على ارتهان هؤلاء للدوائر الخارجية والصهيونية خاصة مقابل استمرارهم في الحكم على حساب معيشة التونسيين واستقرار البلاد وسيادتها، مؤكدة أن كل هذه المؤشرات تفسر أيضا تغلغل شبكات الجوسسة ونفوذ اللوبيات الاجنبية في كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية"، وفق تقديرها. كما جددت وقوفها مع الاعلاميين في نضالهم من اجل الحفاظ على مكسب حرية الاعلام معربة عن ادانتها لكل اشكال المضايقات التي يتعرضون لها، وللاعتداء الذي تعرض له النائب عدنان الحاجي(11 فيفري الحالي )، واعتبرته سابقة خطيرة ومؤشرا على عودة المليشيات لترهيب كل الاصوات المناوئة للائتلاف الحاكم وسياساته ، في إشارة منها إلى الخطوة التي اتخذتها حركة النهضة في عزمها على مقاضاة المؤسساة الإعلامية التي تعمل على شيطنتها وتشويه صورتها بشكل متعمد لخدمة مصالح سياسية. وشجبت ، في البيان ذاته، العودة القوية لأصوات التكفير والفتنة، حيث بات المناخ العام يشبه جدا بما عاشته تونس ابان حكم الترويكا سنتي 2012 و 2013 حيث حصلت الاغتيالات السياسية والعمليات الارهابية، مؤكدة تضامنها مع كل المفكرين والمثقفين والإعلاميين الذين يتعرضون لحملات التكفير. من جانب آخر، كثف الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي خلال الآونة الأخيرة من خطاباته وتصريحاته "الاستعراضية" والتي لا مضمون لها سوى إزكاء نيران الكراهية والتحريض ضدّ حركة النهضة .. خطاب هو ذاته لم يتغيّر طوال السبع سنوات التي تلت الثورة ولم يستخلص الهمامي من هفواته العبرة كونه من الضروري الايتعاد على الخطابات الاقصائية والمبنية على الشعارات "التحريضية" من جهة و"الرنانة" من جهة أخرى والاعتماد على الخطابات البناءة والتي تدعو إلى تحصيل المصلحة الوطنية. ولعلّ اتهاماته الأخيرة التي وجهها إلى حركة النهضة كونها مسؤولة عن الاغتيالات السياسية التي طالت قيادات الجبهة ، خير دليل على حفاظ خطاب الهمامي على الطابع الاقصائي المبني على الاتهامات -جزافا- . وقد وجه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي أصابع الاتهام إلى حركة النهضة وقياداتها ب"مسؤوليتها عن الأجواء التي تسهل محاولات الاغتيال،وفق تعبيره ، مضيفاً أن الحركة "تسعى إلى أخونة المجتمع بأسلوب ناعم". وحمّل الهمامي السلطة "المسؤولية الأخلاقية والتقنية والجزائية عن كل أعمال الاغتيال". وقد جاءت اتهامات الهمامي أياما قليلة بعد توجيه السلطات الأمنية له ولقيادات أخرى في المعارضة دعوات تحثهم فيها لأخذ الحيطة والحذر، بعد تأكيدها وجود تهديدات جدية على سلامتهم الشخصية. و لئن كثرت خلال الفترات الأخيرة ومع اقتراب معركة الاستحقاق الانتخابي البلدي، حملات التشويه والشيطنة ضد حركة النهضة في محاولة لضربها و تحريض الرأي العام ضدها، اتخذت حركة النهضة قرار صد هذه الأطراف و وضع حد لحملاتها. و اتهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ائتلاف الجبهة الشعبية بمحاولة افتعال «حرب أهلية» في تونس، عبر محاولة تغييب النهضة وتحميلها مسؤولية الإرهاب وإفساد العملية الديمقراطية في البلاد. وقال الغنوشي في تصريح إذاعي الأحد تعليقا على اعتبار أحد نواب «الجبهة» أن حركة «النهضة» ليست حزبا سياسيا «هناك مراهنة على إفساد العملية الديمقراطية لانه عندما تغيّب حزبا سياسيا انتخبه مليون او مليون ونصف مليون مواطن، وتقول إنه ليس حزبا سياسيا وتصفه بأنه إرهابي وتحمله مسؤولية الإرهاب، وذلك يعني أنك راهنت على حرب أهلية وتريد رمي مليون ونصف في عرض البحر. من أنت حتى تحكم على مليون ونصف وتلقي بهم في البحر؟». تصريح الغنوشي جاء بعد يوم فقط من تهديد حركة النهضة في بيان رسمي لها بمقاضاة وسائل الإعلام والصحافيين على خلفية ما اعتبرته مشاركة في حملات تشويه وتحريض ضدها وضدّ قيادييها لدى فتح العديد من الملفات ومنها المساهمة في خلق مناخ مناسب للإرهاب وشبكات تسفير الشباب إلى بؤر التوتر ومصادر تمويل الحركة المثيرة للجدل منذ عام 2011. و أشارت حركة النهضة إلى أن هذا القرار «هو دفاع عن منجزات الثورة في بيئة ديمقراطية نظيفة، وفي إعلام حر ومهني يحترم عقول التونسيين ويخدم الأجندة الوطنية، كما هو دفاع عن مشروع الحركة وإسهاماتها في خدمة تونس وعن نضالات شهدائها ومساجينها ومهجّريها من النساء والرجال».