في ظل الضغوطات المالية التي تواجهها حكومة الوحدة الوطنية سيما بعد قرار الاتحاد الاوروبي الذي وضع تونس ضمن قائمة سوداء للمرة الثانية على التوالي في ظرف قياسي ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والدول الاكثر عرضة للملاذات الضريبية قبل التراجع عن ذلك، تبدو تونس مجبرة على البحث عن أكثر من شريك في المنطقة ، ومحاولة كسب تأييد أوسع وخلق فرص لتطوير منظمتها الاقتصادية التي تعيش أزمة بين الأطراف السياسية في ما بينها ومع المنظمات الراعية لوثيقة قرطاج. ويدعو مختصون في الشأن الى ضرورة أن تتجه الدبلوماسية الى القيام بمجهودات خاصة لأن آثار هذا التصنيف على صورة تونس سياسيا واقتصاديا سيئة، خاصة أن سوق الاقتراض سيكون صعبا أمام تونس، علاوة على أن المستثمرين الاوروبيين سيخشون العمل في تونس في الفترات المقبلة. وتتطلع اليوم الى تنويع أسواقها الخارجية وتعمل على اكتساح السوق الافريقية لانعاش الاقتصاد التونسي الذي يشهد ضغوطات متفاقمة من طرف الجهات الدولية المالية المانحة بسبب ارتفاع المديونية وتراجع نسبة النمو، بعد أن ركزت تونس طيلة العقود الماضية على التعامل مع الأسواق الأوروبية في مستوى مبادلاتها التجارية ومعاملاتها الاقتصادية. ويشير مراقبون في الشأن، الى ان تونس ما بعد الثورة باتت تبحث في سياستها الخارجية عن تنويع خياراتها الاقتصادية والاستراتيجية ولا تريد أن تظل منغلقة فقط على الضفة الشمالية لها، وتحاول استغلال موقعها في القارة الأفريقية، للدخول في أسواق دول وسط وجنوب القارة، في محاولة للنهوض باقتصادها المتراجع منذ ثورة 2011. وتسعى إلى تنويع أسواقها الخارجية، وعدم الاقتصار على الشريك التقليدي الاتحاد الأوروبي، محاولة بذلك استغلال موقعها كبوابة للقارة السمراء. وقد أفاد كاتب الدولة لدى وزير التجارة المُكلّف بالتجارة الخارجية هشام بن أحمد بأنه سيتم الترفيع في ميزانية صندوق النهوض بالصادرات إلى حدود 40 مليون دينار سنة 2018 و 80 مليون دينار سنة 2019 و100 مليون دينار سنة 2020. وأضاف بن أحمد، أنه خلال مارس أو افريل القادمين ستنظم تونس رسميا إلى منظمة السوق الافريقية المشتركة لدول شرق وجنوب افريقيا والمعروفة بالكوميسا كعضو ما يعني أن المنتوجات التونسية الموجهة لهذه البلدان لن تخضع للمعاليم الديوانية . أكد وزير الشؤون الخارجية الأسبق ، أحمد ونيس، أن تونس قامت بتحركات دبلوماسية قوية، بعد أن قدمت لجنة الشؤون الاقتصادية والنقدية في البرلمان الأوروبي القائمة للتصويت عليها، مشيرا الى أن تونس نجحت، بفضل جهودها الدبلوماسية، في تقليص فارق التصويت في الجلسة العامة ولم ينقصها إلا 19 صوتا على الأغلبية المحددة بالثلثين. واعتبر أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي هي التي صوتت ضد تونس، وهي أحزاب لها نظرة سلبية للاسلام خاصة وأن صورة تونس خلال السنوات الاخيرة كانت تشير الى أنها بلد مصدر للارهابيين، وفق تعبيره، مشيرا الى أن الأحزاب التي تؤلف الحكومات الحالية في أوروبا صوتت لفائدة تونس لأنها على علم بالجهود المبذولة من أجل مكافح غسل الأموال وتمويل الارهاب. في المقابل، يلوم ديبلوماسيون على ضعف التعاطسي الديبلوماسي مع التصنيفات الاخيرة، ويشيرون الى أنه كان من الضروري أن تقوم الدبلوماسية التونسية بإجراء اتصالات مع الدول ومع الاتحاد الاوروبي على مستوى الدبلوماسية الثنائية، والدبلوماسية متعددة الأطراف، واعطاء المعلومات الضرورية والمطلوبة . هذه الانتقادات عقبت محاولات الدبلوماسية التونسية في استعادة عافيتها بعد أن "تورطت" في السنوات الاولى التي تلت الثورة في مواقف غير محسوبة خاصة في ما يتعلق بالعلاقة مع دول الجوار وبعض الدول العربية، وبذل جهود من أجل تحسين علاقاتها الخارجية والقطع مع الأداء "المرتبك"، الذي غلب على بعض مواقفها خلال السنوات الأخيرة. وقد شهدت خلال الاشهر الاخيرة حراكاً سياسياً ودبلوماسياً غير مسبوق، إذ استقبلت عدة شخصيات ورؤساء دول، على غرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، تباحثوا مع الاطراف المعنية الوضع الاقتصادي التونسي، وتعهدوا بالتعاون معها.