تناقضات كبيرة يعيش على وقعها المشهد التونسي تتقاطع فيها المواقف والتصريحات النظرية مع الممارسات الخاطئة على أرض الواقع، أرجعها متابعون للشأن التونسي الى الإفلاس السياسي الطاغي على النخبة الحزبية وتسارع السياسيين وصراعهم الهستيري على المناصب . وتظهر المرحلة الراهنة أن تونس قد بلغت مراحل متقدمة من الافلاس السياسي، والتأزم الاجتماعي والتدهور الاقتصادي، سببها قفز بعض السياسيين سواء المشاركين في الحكم أو المعارضين وتجاهلهم بعض المراحل التي لا بد من المرور بها لاكتمال المشهد الاستثنائي الذي وُعدت به تونس. ووُصف الأداء الحكومي على امتداد السنوات الماضية بالضعيف، ولم يكن في المستوى المطلوب في الاستجابة الى المطالب التي طرحها المسار الثوري والشباب اليائس، ولم تكن المعارضة ولا الأحزاب المشاركة في الحكم على اختلاف مسمياتها أحسن حالا من أداء الحكومات المتعاقبة رغم ميلاد العديد من الجبهات السياسية "الهشة"، التي طرحت قوة فاعلة، وبديلا مقنعا. وقد عرّى الصراع الانتخابي الاسبوعين الاخيرين والتكالب الحزبي في نزالهم الانتخابي هذه التناقضات إذ عاشت تونس أجواءً سياسية مرتبكة اتسمت في مجملها بالغموض، وتناست كلها الوعود الانتخابية التي قدمتها سابقا وأنستها حروب التموقع اياها. هذه الأجواء قد تخلق فرامل أخرى على عجلة الإصلاح، التي لم تبدأ السير إلى أمام، كما كان مأمولاً بعد وعود الحكومات المتعاقبة، لانجاز مطالب الثورة المؤجلة منذ 2011. وبسبب هذا التعطيل في تنفيذ الاصلاحات الموعودة، دخلت تونس منذ ديسمبر الماضي في دوامة من التصنيفات السوداء هزت صورتها في الخارج، وأفقدتها ثقة المانحين فيها، كما حذر خبراء من تداعيات سيئة على اقتصادها في قادم الأيام. فلا تزال تونس تعيش تحت وقع الرّجة التي أثارها إدراجها ضمن قائمة سوداء جديدة من قبل البرلمان الأوروبي الذي صنّفها في قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد أقل من شهر تقريبا على تصنيف البلد ضمن قائمة سوداء للملاذات الضريبية قبل التراجع عن ذلك. وقبل أن تتجاوز تونس تأثيرات ذلك على صورتها الخارجية، وتدارك ما أحدثته من رجات على المستوى الداخلي والديبلوماسي، حتى انهالت التصريحات بوقوف تونس على أعتاب تصنيفات كثيرة جديدة تلوح في أفق المستجدات. وقد يكون ذلك ما دعا رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي الى تجديد ، دعوته مختلف الأحزاب السياسية إلى تغليب مصلحة البلاد، بمناسبة حلول السنة الادارية الجديدة، كما دعاها الى وضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات. كما دعا الأحزاب السياسية إلى أخذ الإنتخابات البلدية القادمة مأخذ الجد من اجل انجاحها، وقال السبسي: ‘يجب على الأحزاب ان يهيئوا الأسباب لكسب الرهان الإنتخابي ولا بد من كسب هذا الرهان لان القضية ليست بسيطة ويجب ان نهتم بهذه الانتخابات ونقلع عن الخطاب السياسي'، متابعا ‘ لان الضرب باش يولي في العتق موش في الورق'. من جهته، دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد الاحزاب والمجتمع المدني إلى تخطي الخطاب السياسي المتشنج والإرتقاء به، مشددا على أن "تغيير الحكومات والوزراء أكبر عدو للإقتصاد، ولا يخدم تونس واقتصادها داعيا إلى ضرورة إرساء الاستقرار السياسي باعتباره ضرورة قصوى لنجاح البرنامج الحكومي، مبينا ان تغيير الوزراء والحكومات في كل مرة لا يخدم تونس وإقتصادها. كما دعا الأحزاب السياسية للإبتعاد عن الخطاب السياسي الحامل للتجريح والتشكيك، لافتا النظر إلى أن الإنتخابات البلدية يفصلنا عنها 4 أشهر فقط، مشددا على ضرورة انجاح هذه العملية الإنتخابية. هذا ودعا الامين العام للاتحاد العام التونسي نور الدين الطبوبي في عدة مناسبات السياسيين إلى الكف عن تبادل الاتهامات في بلاتوهات التلفزات، بما يساهم في تمييع أبرز القضايا، مؤكدا أن الاتحاد لن يقبل أن يكون شاهد زور أمام ما أسماه المراهقة السياسية، وأنه سيواصل الاضطلاع بدوره كقوة اقتراح وبناء، بالاضافة الى دوره النضالي في الضغط الايجابي من اجل أن تستقيم الامور.