اعتادت الجبهة الشعبية على مهاجمة جميع الحكومات المتعاقبة، وكذا الشأن لحكومة الوحدة الوطنية التي رفضت المشاركة فيها، وغالبا ما تكون خارج سياقات التوافق والحلول والجبهات والتكتلات السياسية التي تسعى إليها الأحزاب الناشطة في الساحة الوطنية سواء كانت منها حاكمة أو معارضة وتسبب في فشل أغلب المبادرات التي سعت إلى تجاوز تشتت المعارضة وتوحيدها، دون تقديم بديل في أغلب الأحيان. ويشير مراقبون الى أن خطاب القوى المعارضة في مقدمتها الجبهة الشعبية مازال يقوم على مبدأ الإنتقاد، والرفض، دون أن يتحول خطابا "إيجابيا" يطرح البدائل من أزمات البلاد، ويرون أنها سوقت لنفسها على انها ضمير الطبقة الكادحة، فكانت اغلب مواقفها معارضة لاجل المعارضة و حتى مطالبها لم تخرج من طابع الاستحالة. ورغم أن قيادات الجبهة على اختلافهم طالبوا خلال الشهرين الاخيرين بضرورة اجراء تحوير وزاري وتغيير الحكومة، وأحيانا طالبت باجراء انتخابات مبكرة، إلا أنها اليوم ترى، وفي موقف مفاجئ، أن تونس ليست في حاجة الى تحوير وزاري، بعد أن طالب به الاتحاد العام التونسي للشغل. في هذا الشأن، قال المتحدث باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، إن تونس ليست في حاجة الى اجراء تحوير وزاري في هذه الفترة وإنما في حاجة الى استراتيجية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية. وشدد الهمامي في تصريح مقتضب السبت 3 مارس 2018، لحقائق أون لاين، على أن تونس تحتاج الى منظومة سياسية قادرة على تطبيق استراتيجيا شاملة معتبرا أن المنظومة السياسية الحاكمة فاشلة وعاجزة وفاسدة. وأضاف الهمامي أن حكومة يوسف الشاهد أثبتت كونها ليست قادرة على الحكم باعتبارها اقتصرت في عملها على اغراق البلاد في أزمة متعددة الأبعاد، وفق تعبيره. تصريحات عقبت دعوات الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة ادخال تعديل وزاري على الفريق الحكومي و ضخ دماء جديدة في الحكومة و تدعيمها بكفاءات جديدة للحد من تفكك اجهزة الدولة وتحقيق التقارب في وجهات النظر بين مختلف الأطراف. وتعد هذه التصريحات بالسابقة الاولى التي لا تساند فيها الجبهة الشعبية موقفا ضد الحكومة، أو دعوات بضرورة تغييرها. ويشير متابعون للشأن التونسي ان مواقف أحزاب الجبهة الشعبية تحولت شيئا فشيئا الى ظاهرة صوتية، أكثر من كونها احزابا تتمتع ببرامح بديلة، بالإضافة إلى استماتتها في تقديم حكم ثابت من جميع الحكومات وهو" الفشل"، حيث يتنبأ قيادات الجبهة الشعبية دائما ب"فشل""الحكومات التي تليها، وغالبا ما يرفضون المشاركة في أي حكومة بدعوى أنها ستكون فاشلة من ذلك حكومة الوحدة الوطنية. ويعزي مراقبون عجز الجبهة الشعبية عن التقدم في المشهد السياسي بتونس إلى محافظتها على تصورها التقليدي وتمسكها بالشق الأيديولوجي، كما أنها لم تبحث عن بوادر جديدة تتماشى والمتغيرات في الداخل والخارج واكتفت بالمعارضة لأجل المعارضة. هذا وتجمع الجبهة الشعبية بين الماركسيين والقوميين والبعثيين والماركسيين اللينينيين وغيرهم من الاطراف التي لطالما كانت مختلفة ومتصارعة خاصة في الجامعة بالرغم من انتمائها الى نفس العائلة اليسارية وجعلت من العمل الجبهوي معبرا لتجاوز الخلافات الايديولوجية والسياسية الشكلية في كثير من الاحيان ومعالجتها في اطر ضيقة. يشار أيضا الى انها تعرضت الى بعض الهزات في بدايتها تجربتها، خاصة في فيفري 2013 وجويلية من نفس السنة وخروج عدد من مكوناتها الا انها حافظت على تماسكها وتمكنت من اجتياز الانتخابات التشريعية والرئاسية موحدة.