تقبل تونس مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي على مرحلة من الافلاس السياسي، باتت تجلياته واضحة مع انقسام الطبقة السياسية الى محاور تشكلت على أساسها التحالفات الحزبية، وتموقعت الأحزاب الباقية في موضع الرقيب. وتشير التحركات الحزبية الاخيرة إلى أن الساحة التونسية باتت معلقة بين ثلاثة محاور رئيسية توزعت حسب متابعي الشأن التونسي بين محور يضم أصحاب المصالح الآنية الذين سارعوا الى حماية مصالحهم السياسوية ودخلوا ضمن تحالفات تشكلت لأجل خوض الانتخابات البلدية، وقد تنحل بعدها وتتفكك أحزابه. من ذلك الائتلاف المدني المكوّن حديثا والذي ضم 11 حزبا من عائلات فكرية مختلفة، حتى أن اختلاف مواقف مكوناته ظهرت منذ إعلان تشكيله حول تشكيل القائمات الانتخابية وحول مواقف القيادات الحزبية المتعلقة ببعض المسائل كالحملة الانتخابية لنداء تونس، التي جندت أعضاء الحكومة، وهو ما اعتبره بعض مكونات الائتلاف مبرّرا فيما عارضه اخرون. وأكد في هذا السياق المحلل السياسي أنور الجمعاوي في تصريح ل"الشاهد"، أن الائتلاف المدني، مكوّن من أحزاب صغيرة لا تحظى بعمق شعبي معتبر، تحاول منافسة الأحزاب الكبرى، وأن غايته مواجهة الائتلاف الحكومي القائم، واعتبر أن تفككه مباشرة بعد الانتخابات المقبلة وارد جدا، مشككا في إمكانية بقائه حتى المحطة الانتخابية المقبلة. ويضم المحور الثاني الرافضين لكل شيء، وهم على الأغلب أحزاب تحالف الجبهة الشعبية، الذين تحولت مواقفهم الى ظاهرة صوتية أكثر من كونها احزاب تتمتع ببرامح بديلة ، و يؤكد مراقبون ان نفس هذه الأحزاب تفتقر لمفهوم الثقافة الحزبية و ما تفرضه الأخيرة من أبجديات العمل من حيث تماديها في الإستقواء على الدولة . وبالإضافة إلى تقديم حكم ثابت من جميع الحكومات وهو" الفشل"، فإن قيادات الجبهة الشعبية يتنبؤون أيضا ب"فشل""الحكومات التي تليها، وغالبا ما يرفضون المشاركة في أي حكومة بدعوى أنها ستكون فاشلة من ذلك حكومة الوحدة الوطنية. ويعلق الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي في تصريح سابق ل"الشاهد"، أنّ المعارضة و خاصة منها اليسارية سوقت لنفسها على انها ضمير الطبقة الكادحة ، فكانت اغلب مواقفها معارضة لاجل المعارضة و حتى مطالبها لم تخرج من طابع الاستحالة ، كاشفا بان اغلب الأحزاب التي تلعب دور المعارضة في تونس اخفقت بسبب تمسكها بتصوراتها التقليدية الجامدة بما جعلها تعجز عن التطور و التماشي مع المتغيرات في الداخل و الخارج و تحتاط من خطر الواقع، واكد العبيدي ان التجربة اليسارية في تونس و التي لم تتجاوز الخمس سنوات لم تبلغ " سن الرشد السياسي " على حدّ تقديره. كما تضم الساحة السياسية محورا ثالثا يضم الداعمين لاجندات سياسية خارجية خاصة منها الاجندات الاماراتية وهو ما كشفته الحركة الأخيرة غير المسؤولة والمهينة التي قامت بها الإمارات تجاه تونس المتمثلة في منع النساء التونسيات من السفر إلى الإمارات وعبرها، التبعية العمياء ل"الأبناء المدللين" للإمارات في تونس، خاصة أن بعض السياسيين لم يدخروا جهدا في التبرير لهذه الخطوة المسيئة لتونس على غرار الامين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق ورئيس حزب افاق تونس. وكان الأخطبوط الاماراتي قد حاول مرارًا نصب شباكه و توطين جذوره من خلال التغلغل وسط الطبقة السياسية عبر تمويل الاحزاب وتلميع شخصيات سياسية لا تمتلك أرصدة نضالية للتأثير في مسار الانتقال الديمقراطي و المشهد السياسي بصفة عامة ، و ان كان نسبة من النخب السياسية رفضت العمل داخل اجنداتها الوطنية فإنّ نُخبا أخرى انساقت وراء الاموال الطائلة التي تغدق بها الامارات على أتباعها . وقد اعتبر المحلل السياسي السمعلي في تصريحه ل"الشاهد"، أن الاحزاب التي انسحب من وثيقة قرطاج وتراجعت عن دعم الحكومة، لم يكن لها تأثير ايجابي على مساندتها، باعتبارها كانت محسوبة على الحلف الاماراتي الذي يسعى الى تشكيل حكومة جديدة لا تكون حركة النهضة من مكوناتها.