من أبجديات العمل السياسي ان الاحزاب تستمد قوتها من مخططاتها و برامجها، لكن منطق الاحزاب المعارضة في تونس اختلف لتتحول المعارضة لظاهرة صوتية أكثر من كونها احزاب تتمتع ببرامج بديلة ، فيما يؤكد مراقبون ان نفس هذه الأحزاب تفتقر لمفهوم الثقافة الحزبية و ما تفرضه الأخيرة من أبجديات العمل من حيث تماديها في الإستقواء على الدولة . و في تقييمه لاداء المعارضة في تونس ، أكد الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أنّ المعارضة و خاصة منها اليسارية سوقت لنفسها على انها ضمير الطبقة الكادحة ، فكانت اغلب مواقفها معارضة لاجل المعارضة و حتى مطالبها لم تخرج من طابع الاستحالة ، كاشفا بان اغلب الأحزاب التي تلعب دور المعارضة في تونس اخفقت بسبب تمسكها بتصوراتها التقليدية الجامدة بما جعلها تعجز عن التطور والتماشي مع المتغيرات في الداخل و الخارج و تحتاط من خطر الواقع، واكد العبيدي ان التجربة اليسارية في تونس و التي لم تتجاوز الخمس سنوات لم تبلغ " سن الرشد السياسي " على حدّ تقديره. كما يعيب المتابعون للشأن العام الخطاب الثابت الذي تتبعه الجبهة الشعبية من جميع المحطات والحكومات التي تعاقبت على البلاد حتى أنهم يقولون عنها "قيادات الجبهة دائما ضد". وبالإضافة إلى تقديم حكم ثابت من جميع الحكومات وهو" الفشل"، فإن قيادات الجبهة الشعبية يتنبؤون أيضا ب"فشل""الحكومات التي تليها، وغالبا ما يرفضون المشاركة في أي حكومة بدعوى أنها ستكون فاشلة من ذلك حكومة الوحدة الوطنية. و يرى مراقبون أنه بدل ان تبذل أحزاب المعارضة جهدا في تحشيد اصوات الراي العام كان يجب ان تبذله في نقاش مع بقية الاطراف عبر بناء حوار جدي يُعزّز صفوفها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المشهد السياسي التونسي ، من جهة ثانية يعيب المتابعون على المعارضة التونسية اقتران مواقفها بأداة النفي "لا" في تقييمهم لاي عمل حكومي أيّا كانت انجازاته . و يرى المتابعون للشأن السياسي في تونس ، ان الدعوات المتكررة للجبهة الشعبية لبث البلبلة و الفوضى تشي بضعف هذا الائتلاف و عدم قدرته على الصمود في الانتخابات البلدية المقبلة ، كما ترى احزاب المعارضة في قانون المالية فرصة كبيرة لإظهار عجز الائتلاف عن تحقيق تقدم اقتصادي، وبالتالي طرح نفسها بديلا. و تشهد تونس هذه الأيام جدلا بشأن قانون المالية لسنة 2018 الذي تراه قوى سياسية مثل ائتلاف الجبهة الشعبية، وحركة الشعب، وحزب البناء الوطني سببا في زيادة الأسعار داعية إلى مواصلة الاحتجاج والمطالبة بتعديله، محذرين الحكومة من قمع الاحتجاجات المتعلقة به. وأكد القيادي في كتلة الجبهة الشعبية عمار عمروسية في تصريح إعلامي أن الجبهة ماضية في الدعوة للاحتجاج الشعبي في كافة ولايات تونس دون توقف إلى حين إسقاط قانون المالية ومنظومة الحكم الفاسدة،حسب قوله. فيما يرى مراقبون أنّ الجبهة الشعبية تتحرك بمنطق المصلحة الشخصية، والحسابات السياسية الضيقة، من خلال تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين دون أن تدرك الكلفة التي سيدفعها الجميع من خلال خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.