تعاملت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ الثورة الى اليوم بسياسة ناعمة مع المحتجين في مختلف الجهات ومختلف المحطات التاريخية لتونس، فكانت تبعا لذلك، هيكلة كل الحكومات مرنة تنتهج خطابا عاطفيا، حققت من خلاله انتصارات رمزية في مواجهة الغضب الشعبي في كل مرة. ويبدو أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي اعتمد هو الاخر خطابا عاطفيا لاستمالة الشعب تارة، ولامتصاص غضب الشارع تارة، ولكسب ود الفاعلين السياسيين والاجتماعيين تارة أخرى، قد قرر الانقلاب على السياسات الناعمة التي اعتمدتها تونس في كل المحطات، والمرور الى قرارات أكثر جرأة في تعامله مع المعتصمين بشركة فسفاط قفصة. ويحيل ذلك الى موقف الشاهد، من تواصل تعطيل الانتاج على إثر مجلس وزاري مضيق انعقد السبت 3 مارس 2018 للنظر في تطور الأوضاع بالحوض المنجمي ومتابعة ملف التنمية بولاية قفصة، الذي شدد فيه على ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الضرورية من اجل حماية المصلحة الاقتصادية الوطنية. وقرر المجلس تبعا لذلك، تعليق كل المقترحات المتعلقة بالتشغيل بمواقع إنتاج الفسفاط المعطلة وتجميد كل برامج الإنتداب والتشغيل التي أعدتها شركة فسفاط قفصة أو التي تعتزم القيام بها وتعليق نتائج المناظرات إلى غاية إستئناف الإنتاج ونقله بوتيرته العادية. كما قرر المجلس تكليف الجهات المختصة بتحديد المسؤوليات وتكليف السيد وزير العدل بالقيام الفوري بالتتبعات القضائية، ضد كل من يخرق القانون ويعمد الى تعطيل الانتاج ونقله. كما أكد المجلس على ان الحق في الاحتجاج الاجتماعي مضمون، طالما تم ذلك في إطار القانون، وأن تعطيل المرفق العام والصد عن العمل بالقوة يعد فعلا يعاقب عليه القانون. وان الحكومة بقدر حرصها التام على حماية الحقوق والحريات المضمونة في الدستور فإنها حريصة على إتخاذ كل الإجراءات لضمان تطبيق القانون وحماية المصلحة الوطنية العليا. كما جدد المجلس، إلتزام الحكومة بتسريع نسق التنمية وتنويع القاعدة الإقتصادية بولاية قفصة من خلال تنفيذ كل البرامج التنموية التي تعهدت بها الدولة ودراسة وتنفيذ مشاريع تنموية جديدة لفائدة الولاية وتكليف السيد وزير المالية بمتابعتها. وجاءت قرارات المجلس التصعيدية بالنظر لتوقف الإنتاج ونقل الفسفاط لفترات طويلة وللصعوبات المالية التي أصبحت تعيشها شركة فسفاط قفصة، وبعد تعطل الحوار حول إيجاد الحلول لإستئناف الشركة لنشاطها العادي. من جهته، أكد وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة خالد قدور الاثنين 26 فيفري 2018، أن شركة فسفاط قفصة قدمت 113 قضية ضد المعتصمين دون وجه حق وخاصة منهم من يعطلون الإنتاج ويغلقون مسالك المغاسل. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد فشل للمرة الأولى منذ سنوات، في التوصل الى نتائج ايجابية مع المعتصمين بالحوض المنجمي في ولاية قفصة، ولم يستطع ممثل الاتحاد بوعلي المباركي في إقناع المعتصمين بالعودة الى الانتاج، القبول بمقترحات الحكومة، متهما من وصفهم بالبارونات بتعطيل الحوار وتحريض المحتجين. وأعلن الامين العام المساعد لاتحاد الشغل الخميس 1 مارس 2018، عن إيقاف الحوار مع معتصمي ولاية قفصة حول مشروع اتفاق 23 فيفري 2018 مع الحكومة. وأضاف في ندوة صحفية عقدها بمقرّ الولاية بعد أربعة أيام من جلسات الحوار مع معتصمين وطالبي شغل بكل معتمديات الولاية إن "مشروع الاتفاق الذي تمّ إعلام المعتصمين به والتحاور معهم حوله طيلة الايام الماضية لن يتمّ إمضاؤه باعتبار أنه لم يتمّ القبول به من طرف المعتصمين، ولم يقعّ إستئناف نشاط قطاع الفسفاط". هذا وكشف وزير الطاقة والمناجم قيمة الخسائر التي تكبدتها شركة فسفاط قفصة سنة 2017 نتيجة توقف الإنتاج جرّاء الاعتصامات بلغ ألف مليون دينار. وأشار قدور خلال مؤتمر صحفي بقصر الحكومة بالقصبة الخميس 1 مارس 2018 إلى أن إنتاج الفسفاط لم يسترجع نسقه الطبيعي مقارنة بالسنوات 7 الماضية، مضيفا أنّ معدّل الإنتاج السنوي لم يتجاوز ال4 مليون طن. وتتعطل صادرات الفسفاط في تونس، بصفة كلية، بعد إغلاق المعتصمين الطرق المؤدية إلى مناجم الفسفاط في ولاية قفصة للمطالبة بتوظيفهم بالشركة وهي المرة الأولى التي تغلق فيها كل مناجم الجهة. وذلك بعد الاتفاق بين الطرف الحكومي والنقابي على إحداث 7 آلاف موطن شغل من بينها 2100 انتداب بشركة فسفاط قفصة و شركة البيئة حال استئناف النشاط و 1400 انتداب بين شركة فسفاط قفصه و المؤسسات العمومية بالجهة وبالإضافة إلى تكوين 1000 عاطل عن العمل صلب الشركة لمدة عامين قبل إدماجهم كليا .