لم يكن يسيرا على ثورة الحرية والكرامة ان تظل متماسكة وصامدة على مدى السبع سنوات الماضية ،في ظل مساع أجنبية وإقليمية ما انفكت تلعب دورا تخريبيا من أجل إفشال مسار الانتقال الديمقراطي الذي نجحت تونس دون سواها في الرسو به إلى برّ الأمان من بين جميع الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي. ولعلّ من الثابت أن الفترات الأخيرة جاءت مرفوقة بأنباء يطوّقها الجدل حول محاولات لخلق البلبلة في تونس، سواء من خلال التحريض على الشيطنة والتخريب، أو من خلال زرع الإرهاب في البلاد من أجل بعث الذعر في صفوف التونسيين من جهة ولترويج صورة مشوّهة لتونس في الخارج حتى تبدو كما لو انها لا تزال عالقة في عنق الزجاجة وأن حالها لا يقلّ سوءا عن الدول التي فشلت في إنجاح تجربتها الانتقالية… ولطالما أكدت تقارير إعلامية ووثائق مسربة سعي أطراف أجنبية بمساعدة أطراف أخرى داخلية عرقلة الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 6 ماي 2018." و كلّما اقترب الاستحقاق الانتخابي البلدي أكثر، كلما زادت وتيرة التخطيطات الأجنبية والإقليمية لإفشاله. وفي خضمّ هذا الشأن ، عبّر متابعو الشأن السياسي عن استنكارهم وانزعاجهم من ارتفاع وتيرة التدخلات الفرنسية والإماراتية ، كلّ على حدى ، في الشأن التونسي، سيّما فيما يتعلق بالانتخابات البلدية المرتقبة ، والتي تعدّ الأولى من نوعها بعد ثورة 2011. على الصعيد الفرنسي، كان رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ ومؤسس منظمة "زعماء من أجل السلام" جان بيير رافاران، قد حذّر من اكتساح الإسلاميين للسلطة في تونس. واعتبر ، في تصريح لإذاعة فرنسية، أنه "وجب التحذير وإطلاق صافرة إنذار بضرورة مساعدة تونس، لأنها تمثل امتداداً للأمن القومي الفرنسي". وأضاف "يتعيّن علينا مساعدة تونس لأنها تمثّل حدودنا أيضاً، وهناك بيئة سياسية مؤاتية لصعود الإسلاموية وغزوها للحكم بشكل ديمقراطي". وقد أثارت تصريحات الوزير الأول الفرنسي جدلا واسعا على منصات التواصل الإجتماعي ، دعمها جدل زيارة زيارة السفير الفرنسي -الذي يلقبه التونسيون "المقيم العام الفرنسي"- الى هيئة الانتخابات . زيارة اثارة استفزاز وغضب التونسيين سيما وان التحركات المكثفة التي يقوم بها السفير الفرنسي في تونس ما انفكت تثير جدلا وضجة كبيرين في صفوف التونسيين الذين اعتبروها "تدخلا مشطا" في الشؤون الداخلية للبلاد .. فضلا عن ذلك خلقت تصريحات السفير الفرنسي المثيرة للجدل ، في أكثر من مناسبة، موجة من الغضب خاصة في مواقع التواصل الإجتماعي ، مثيرة حفيظة التونسيين الذين استنكروا ذلك واعتبروا تصرفه تجاوزا لصلوحياته لافتين الى انه يتصرف وكأنه في مستعمرته . و في هذا الاطار، انتقد بسام معطّر رئيس جمعية عتيد في تصريح ل"العرب" توقيت استقبال هيئة الانتخابات للسفير الفرنسي عقب يومين فقط من إغلاق باب الترشّحات للانتخابات. و أشار إلى أن "القانون لا يمنع الهيئة من لقاء من تريد من السفراء الأجانب، لكن كان عليها أن تنظر إلى المسألة من زاوية حساسيتها، خصوصا أن الهيئة تتعرّض لعدة شكوك من قبل الأحزاب السياسة منذ استقالة رئيسها السابق شفيق صرصار في مايو الماضي". وبين معطّر أن "لقاء الهيئة بعدد من السفراء قد يزيد في حدة التشكيك من مصداقيتها"،لافتا إلى أنه "كان عليها أن تركّز أكثر على متطلبات المرحلة كتفادي أخطائها التي حرمت المنظمات المختصة بمراقبة الانتخابات من ملاحظة عملية قبول ترشحات القائمات للانتخابات البلدية بالشكل الجيّد والمطلوب، نتيجة لتضييقاتها". أما فيما يتعلق بالدور الإماراتي، فقد تداولت عديد التقارير الإخبارية المحلية والعربية معلومات حول وجود مخطط إماراتي لإغراق حركة النهضة وقياداتها بسيل من الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي قبل موعد الانتخابات البلدية. وأكدت التقارير إن خطورة هذه المعلومات تكمن في أنها تبين بشكل واضح الدور الإماراتي الخطير بتونس والأطراف السياسية والإعلامية المتعاونة معها. وقد تضنت تفاصيل المخطط القائم خطوات مفصلة تمثلت إجمالاً في ؛ ضخّ 20 ألف دولار لعديد الصفحات الفيسبوكية، و تكليف دبلوماسي تونسي سابق مقيم بفرنسا بالتنسيق مع شخصية نسوية من قيادات التجمع المنحل وهاربة إلى فرنسا مقيم بإدارة هذا الملف وكيفية تنزيله ، إضافة إلى توجيه أوامر لصفحات الفيسبوك بالتركيز على تشويه قيادات الحركة وإغراقهم بالشائعات ، و التركيز خاصة على الشائعات التي تمس ذممهم وسمعتهم، علاوة على دخول محمد دحلان على الخط واجتماعه بعديد القيادات السياسية المعروفة بقربها من الإمارات، مع تكوين جبهة إعلامية من ثلاثة صحفيين بارزين قصد تحويل الشائعة إلى خبر يومي يتم تحليله في الإذاعات والقنوات التلفزية، بالإضافة إلى تمويل طائل لحزب دستوري معروف بعدائه الشديد للنهضة والعمل على دعمه لفتح 140 مقرا جديدا مع إغراق أمينته العامة بأموال طائلة، و التأكيد على ضرورة تحويل كل شائعة إلى خبر صحفي خاصة على أعمدة الصحف الممولة إماراتيا. وفي خضم هذا الشأن، قال الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري، إن الوضع داخل البلاد متجه الان نحو اجراء الانتخابات البلدية، معربا عن أمله في أن تساهم جميع الأطراف، من أحزاب ومجتمع مدني وغيره، في إنجاح هذه المحطة الانتخابية. وأكد الخميري أن هناك أطرافا يسوؤها أن تنجح البلاد في استكمال مسارها الانتقالي " وفق تعبيره. وأضاف الخميري أن هناك أطرافا سياسية حاولت تعطيل الانتخابات البلدية ولا يريحها أن تصل البلاد إلى هذه المرحلة وترفض أن تكون تونس نموذج في الديمقراطية" ، مؤكدا أن حزبه سيكشف هذه التفاصيل في الموعد الذي يراه مناسبا. بدوره، أكد القيادي بحركة النهضة علي العريض أن هناك أطرافا تسعى إلى عرقلة الانتخابات البلدية. وأوضح العريض أن هذه الأطراف هي التي ضغطت لتأجيل هذا الاستحقاق البلدي مرة أولى ثم مرة ثانية، ودائما تشكك فيها. كما لفت القيادي بالحركة إلى أنه من غير المعقول تأجيل الانتخابات لا لشيء سوى لأن حزبا سياسيا لم ينه بعد استعداداته لخوضها، متابعا "كلما اقتربنا من الانتخابات هناك من يريد تأجيلها لأنه غير مقتنع بها، ومتخوّف منها". ومن جانبه، قال رئيس مركز دراسة الاسلام والديمقراطية بتونس رضوان المصمود أنه كما للإرهاب أسباب داخلية كالظلم والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والفقر والبطالة وغياب العدالة الإجتماعية، فإن له أيضا أسباب خارجية متمثلة في سعي بعض القوى الإقليمية إلى إفشال التجربة التونسية وقطع الطريق على وصول الديمقراطية إلى الشعوب العربية للحفاظ على مصالحها التي ترعاها وتحميها الأنظمة المستبدة عبر بث الفوضى وتمويل الإرهاب وارباك أوضاعها الداخلية.