ما انفكت التحركات الاحتجاجية والاعتصامات التي تعيش على وقعها البلاد تخلق شللا في عدد من المرافق الحيوية والقطاعات الاساسية التي يرتكز عليها الاقتصاد ، خالقة جدلا واسعا على الساحة سيما وان هذه الاحتجاجات احتدمت تزامنا مع الأزمة التي تشهدها البلاد ، مما طرح عديد الشكوك من أنه ليس من باب الصدفة أن تتزامن وفي هذا التوقيت تحديدا وان هناك جهات تقف خلفها.. و في مناطق انتاج المواد الطاقية، كان وقع الاحتجاجات والاعتصامات التي طوقت مراكز انتاج الفسفاط في ولاية قفصة مدويّا ، سيّما وقد أثّرت بشكل مباشر على كميات الإنتاج ، وباتت تنذر بوضع "خطر" سيما وأن هذه التحركات تكبّد تونس خسارة فادحة باعتبار أن الفسفاط يعدّ أحد أهمّ الأعمدة التي يرتكز عليها الإقتصاد التونسي. و بالكاد عادت عجلة انتاج الفسفاط إلى الدوران في الأشهر الأخيرة من العام المنقضي محققة بذلك تطورا جيدا في الانتاج مقارنة بالسنوات الخاليات التي شهدت سلسلة من الاضرابات و التحركات الاحتجاجية مصيبة كمية الإنتاج في مقتل و متسببة في تراجعها و تدنيها إلى مستويات غير مسبوقة ، حتى عادت الاحتجاجات من جديد لتؤثر على سيرورة نشاط القطاع . وتكثفت المخاوف على مستقبل المجمع الكيميائي بقابس ، وخسارته أسواقا عالمية، ودعوة إلى الفصل بين شركات إنتاج الفسفاط. و بات المجمع الكيميائي يعيش حالة شلل تام بسبب نفاد مخزونه الناجم عن استمرار توقف إنتاج الفسفاط بمدن الحوض المنجمي بقفصة. وقد عاد الوضع الى التوتر مجددا الأسبوع الماضي، إثر إعلانات حكومية اعتبرها مواطنون غير كافية. و احتج عدد من الشباب العاطل عن العمل للمطالبة بالتشغيل في شوارع المظيلة، حيث يقع عدد كبير من مواقع إنتاج الفسفاط، الذي يؤمن لتونس عائدات كبيرة. وقد تدخلت الوحدات الأمنية إثر اقدام المحتجين على منع عمال شركة الفسفاط في المظيلة بولاية قفصة، من التوجه إلى مواقع الإنتاج. وبعد ذلك رشق نحو 700 شخص المركز بالحجارة في مرحلة أولى، ثمّ أحرقوه. ولئن عقد مجلس وزاري الجمعة في المنطقة، فإن المحتجين اعتبروا التدابير التي أعلنت بعد هذا الاجتماع، كبناء محطة كهربائية، غير كافية، وكثفوا تحركهم في الأيام الأخيرة. وقد استؤنف إنتاج الفسفاط أخيرا، إلا أن عجلة انتاجه تدور ببطء بعد توقف استمر نحو ستة أسابيع، وفي وقت سابق هذا الشهر استؤنف إنتاج الفسفاط بعد أن أوقفه محتجون بشكل كامل لمدة ناهزت الشهرين في مختلف المناطق بقفصة. و بعد حوالي أسبوعين فقط من الاتفاق الهش بين الحكومة والمحتجين الذين وافقوا أخيرا على رفع الاعتصامات وإنهاء تعطيل الإنتاج، عاد التوتر ليطفو على السطح من جديد في المنطقة. وكان وزير المالية رضا شلغوم قد تعهد في اجتماع في قفصة الأسبوع الماضي بتوظيف نحو ألف موظف في شركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة. لكن المحتجين رفضوا المقترح، وقالوا إنه غير كاف لمنطقة تعاني الفقر المدقع والتهميش وغياب المشاريع. وفي تعليقه على تنامي التحركات الاحتجاجية ، اعتبر الباحث هشام جعيط ان الوضع الاجتماعي والاقتصادي رديء جدا في البلاد. وأوضح في هذا الصدد أنه إذا كان التونسيون ينتظرون مما حدث في 2011 على اعتبار انه ثورة، ان يرتقي بوضعهم الاجتماعي والاقتصادي نحو الأفضل لكن للأسف الشديد ما حدث هو عكس ما كانت تنتظره الجماهير. وهذا ما جعل سقف المطالب يرتفع لدى عموم الجماهير"، وفق تقديره. وتابع جعيط ، في تصريح للقدس العربي، ان الحكومات المتعاقبة بعد 2011 جاءت بتعلة مقاومة الفساد بينما أصبحنا نرى ان الفساد بات بيروقراطيا ومنتشرا والخيارات الحكومية لا شعبية ولا وطنية وفيها مزيد من الارتهان لصناديق النقد الدولية وللقوى الاستعمارية. وأضاف الباحث في الصدد ذاته : «السيادة الوطنية في وضعية رديئة والسفراء الأجانب يرتعون في أنحاء البلاد دون حسيب. وهذا جعل الوضع الاجتماعي سيئا، وبرهنت الحكومات المتعاقبة ان ليس لديها الجرأة على الحد من هذه الظواهر السلبية، ورأيناهم كيف ينصاعون إلى شروط الجهات المانحة وممثلي أدوات الاستعمار الجديد».