لا يزال الجدل الذي يطوق مآل هيئة الحقيقة والكرامة متواصلا ، سيما وقد بلغت الأزمة بين الهيئة والسلطة التشريعية الزّبى ، الأمر الذي دفع الأولى إلى إعلان قرارها الحاسم بالتمديد في عملها فيما اتجهت الثانية إلى السلطة التنفيذية لتعلمها انها قررت عدم التمديد للهيئة.. وبغض النظر عن مدى شرعية جلسة التصويت صلب البرلمان، طفحت عديد التساؤلات حول ماهية الموقف الذي ستتخذه رئاستي الجمهورية والحكومة من المسألة ككل و ما إذا سيتدخلان من أجل الحسم في ملف التمديد للهيئة أم لا. في سياق متصل، أكد المكلّف العام بنزاعات الدولة انه "لم يعمل على عرقلة ملفات هيئة الحقيقة والكرامة" و أن تعامله مع هيئة الحقيقة والكرامة سيتواصل مع نهاية عملها القانوني احتراما لنصوص القانون وإرادة المشرّع بكل حرفية مبينا ان هذا الجهاز «عريق نشأ لحماية مصلحة الدولة والذود عن حقوق المجموعة الوطنية وهو في منأى عن كل تجاذب سياسي وسيواصل عمله على هذا النحو كما فعل دائما قبل إحداث هيئة الحقيقة والكرامة و بعدها» . واضاف في بلاغ له الخميس ان «المذنبين في حق المجموعة الوطنية والذين تقدموا بمطالب صلح وقع التعامل مع ملفاتهم كما يجب وصولا إلى قاعدة تصالح عادلة لا تقبل المراوغة سواء تم ذلك مع هيئة الحقيقة والكرامة أو مع من سيحلّ بعدها من أجهزة الدولة بما ذلك القضاء العادل المنصف» مستنكرا «النزوع إلى إدخاله منازل السجال السياسي الذي يحرص كل الحرص على أن يكون بعيدا عنه» ومبينا أنه «يعمل فقط طبقا للقانون ولفائدة المصلحة الوطنية لا غير». كما لفت الى ان سلطة الإشراف المتمثلة في وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية لا تتداخل في جزئيات الملفات ، والمكلف العام هو المتعهد بها بما في ذلك ملفات هيئة الحقيقة والكرامة ولم يكن من ضمن توجيهاته العمل على عرقلة هذه الملفات ، بل كانت تدفع إلى مزيد التعاون البناء لما فيه مصلحة تونس و المحافظة على المال العام في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها وعدم إثقال كاهل المالية العمومية أوعقاب الشعب التونسي على أخطاء فردية قد يكون ارتكبها أحد من عمل بالدّولة وهذا ما أثار حفيظة رئيسة الهيئة التي كانت ترغب في التعويض لكلّ طالب صلح. وطمأن المكلف العام بنزاعات الدّولة جميع الضحايا الاحتماليين لانتهاكات طالتهم تسبب فيها موظفو الدولة ، مشيرا الى أن حقوقهم لن تنته بانتهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة إذ أن القضاء سيتكفل بها حسب الدستور والقوانين الجاري بها العمل. ويأتي هذا التوضيح وفق نص ذات البلاغ على خلفية ما أثارته رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين الإربعاء خلال الندوة الصحفية التي عقدتها، والتي» أوعزت فيها تعطل مسار العدالة الانتقالية إلى المكلف العام بنزاعات الدولة ووزير أملاك الدّولة والشؤون العقارية في موضوع التعويض عن الانتهاكات المنسوبة إلى موظفي الدولة «. وكانت بن سدرين قد اكّدت خلال الندوة الصحفية أن الهيئة اتخذت قرار التمديد بسبب ما اعتبرته تعدد العراقيل من قبل أجهزة الدولة التي كانت ملزمة بالتعاون معها وتيسير أعمالها وذلك من خلال امتناع بعض الإدارات والوزارات على غرار رئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب والمحاكم ووزراة أملاك الدولة الممثلة في المكلف العام بنزاعات الدولة عن تطبيق القانون . و هو ما دفع الهيئة الى عقد ندوة صحفية الاربعاء، أكّدت خلالها رئيستها سهام بن سدرين، أنّ الهيئة ستكمل مسارها، وهي ملزمة قانونياً بمواصلة أعمالها، مشدّدة على أنّه يتعين على "الهيئة إرجاع حقوق الضحايا وجبر الضرر المادي والمعنوي، وكشف الحقائق، ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات، وإحالة الملفات إلى القضاء، واقتراح الإصلاحات التي ستضمن عدم تكرار التجاوزات". ويأتي رد هيئة "الحقيقة والكرامة"، بعد يومين على تصويت نواب مجلس الشعب بعدم تمديد عملها إلى سنة إضافية. يذكر ان 68 نائبا بالبرلمان صوتوا مساء الاثنين 26 مارس الحالي ضد قرار التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة واحتفظ نائبان (2) بصوتيهما، في حين لم يصوت أي نائب لصالح التمديد في مدة عمل الهيئة ، حيث انسحب عدد كبير من النواب وخاصة نواب كتلة حركة النهضة والكتلة الديمقراطية ولم يقوموا بعملية التصويت. وكانت جلسة يوم الاثنين واصلت النقاش العام الذي انطلق يوم السبت 24 مارس حول مسألة التمديد لعمل هيئة الحقيقة والكرامة واتسمت المداخلات بتباين آراء النواب بين مساند لهذا القرار ورافض له مع استمرار توجيه الاتهامات لرئيس المجلس محمد الناصر ومكتب المجلس ب»الانقلاب على مسار العدالة الانتقالية وإفشاله»، من قبل عدد من النواب، مقابل اعتراض نواب آخرين على ما اعتبروه «مس من رموز الدولة وقياداتها». وقالت بن سدرين إنّ "مجلس هيئة الحقيقة والكرامة مُصرّ على القيام بهذه المهام مهما كانت جسيمة، وستتولى الهيئة إصدار تقريرها الختامي". وأوضحت أنّ الهيئة "عندما اتخذت قرار التمديد كان ذلك نتيجة عراقيل واجهتها من قبل أجهزة الدولة، على الرغم من أنّ هذه الأجهزة ملزمة قانونياً بتسهيل مهام الهيئة، إلا أنها لم تتعاون، ما تسبب في تأخر أعمالها". وتابعت، أنّ "تونس تعيش ديمقراطية ناشئة، ويحدث أحياناً أن تمتنع بعض المؤسسات عن تطبيق القانون، وهو ما حصل مع الحكومة ومجلس نواب الشعب، وعدد من المحاكم التونسية، ولكن رغم ذلك تمكنت الهيئة من النفاذ إلى المعلومات وكشف العديد الحقائق". وفي عشية نفس اليوم الذي اكدت فيه الهيئة قرارها بالتمديد لنفسه، أفاد المكلف بالإعلام بمجلس نواب الشعب حسان الفطحلي أن مجلس نواب الشعب راسل الأربعاء 28 مارس 2018 رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية لإعلامهما بقرار المجلس المتّخذ خلال جلسة عامة يوم الاثنين 26 مارس 2018 والمتعلّق برفض التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة بسنة إضافية ، وذلك من أجل اتّخاذ الترتيبات اللازمة .